تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[24 Feb 2009, 07:23 م]ـ

هذا الموضوع من أهم مواضيع المنتدى التي قرأتها منذ شهور.

ولا اقصد أصل الموضوع عن عبارة د. المغامسي (شفاه الله). وإنما الحوار الذي تفرع عنه.

ورغم كوني لست متخصصا، فأرجو أن يتعامل مع تعليقي بصدر رحب:

===

استغربت من وصف بعض الإخوة لعبارة د. جمال أبو حسان (والقول بعدم الخروج عن اقوال السلف في التفسير تضييق لا حجة له مع شديد الاحترام لما قالوه) بأنها "جد خطيرة".

وأنا أميل لهذا الفهم الذي عبر عنه د. جمال. ولم يظهر لي أي دليل مقنع في قول المخالفين (مع شديد الاحترام لمن قال به).

وعبارة د. مساعد الطيار تستدعي التأمل، وأرى أن إطلاقها فيه نظر:

إن تصوُّر عدم فهم السلف لمعنى من معاني القرآن يلزم منه لازم باطل، وهو أن تكون الآية (أو مقطع منها) قد جُهل معناها على من سبقنا، وهذا ـ بلا ريب ـ لو قال به قائل، فقد ادَّعى أن الله خاطب الصحابة بما لا يعلمون، وأنهم قد جهلوا معنى كلام الله المنزل على لسانهم.

في تقديري ليس هناك أي داع نقلي أو عقلي يستوجب على السلف أن يكونوا على علم كلي بجميع المعاني المضمنة في الوحي الذي يخاطب العالمين، في كل زمان ومكان. كما أن عكس ذلك لا يعني بالضرورة أن الله خاطب الصحابة بما لا يعلمون.

فالخطاب القرآني موجه للبشرية جمعاء، وكل جيل محتاج لفهم الخطاب القرآني بالقدر الذي يلبي حاجته في عصره وعالمه.

وبالتالي فلعل العبارة تكون أدق لو صيغت كما يلي: (إن الله لا يخاطب البشرية جمعاء بما لا تعلم، ولا يمكن أن تجهل شيئا من معانى كلام الله المنزل لهدايتها) لكانت العبارة أدق في تقديري (وقد أكون مخطئا).

وكل جيل تتراكم لديه معارف إضافية ناتجة عن الخبرات البشرية السابقة، وعن الأدوات المعرفية الجديدة التي توفرت لديه في عالمه وعصره، تتولد لديه بلا شك حاجات معرفية إضافية. وحين يتدبر القرآن فلا ريب في انفتاح آفاق جديدة له في الفهم. وليس في هذا أي انتقاص لفهم السلف، بل لا يمكن لأي جيل من الأجيال أن يفهم النص القرآني الفهم الضروري الذي يلبي حاجاته إلا باستدعاء الفهوم السابقة له بشكل تراكمي.

والنص القرآني حجة على كل جيل من الأجيال وعصر من العصور بقدر الطاقة المعرفية التي تتوفر لذلك الجيل أو ذلك العصر. وكل جيل من البشرية يستوعب من النص القرآني بقدر حاجته الواقعية.

في تقديري يوجد اتجاهان خاطئان في التعامل مع القرآن الكريم:

1 - النهج الأول: يرى الاكتفاء بدلالة النص زمن نزوله، وأن كتاب الله قد فسره العلماء الراسخون في العلم تفسيرات استغرقت جميع معانيه، وما على المسلم في أي جيل من الأجيال التالية إذا أراد فهمه سوى أن يعود إلى أقوال السلف الصالح، ولا مجال بعدها لمستزيد. ويقوم هذا الاتجاه على أن للقرآن معنى تاريخيا فقط، يتمثل في جملة المعاني التي استنبطها المفسرون الأوائل كالصحابة والتابعين والعلماء بعدهم، والتي مثلت إطارًا دلاليًّا للغة القرآنية. ويكمن خطأ هذا الاتجاه في كونه يؤدي إلى:

- السقوط في تعارض بين الإطار التاريخي للمعنى القرآني وبين صلاحيته لكل زمان ومكان،

- وإلى الوقوع في وهم المطابقة بين الكلام المفسِّر والكلام المفسَّر في التنزيه والقدسية.

2 - والاتجاه الثاني: يرى أن النص القرآني نص لغوي مفتوح يخضع، كأي نص من النصوص، لتطور الدرس اللغوي والأدبي والتاريخي، ويبقى ميدان تجربة للقارئ يقرأ فيه ما يشاء. ويرى هذا الاتجاه أن معنى النص يمكن أن تتعدد وتتنوع قراءاته، وبالتالي فما يهم هو دلالة النص "زمن قراءته". ويتمثل انحراف هذا الاتجاه في كونه يجعل النص تابعاً للمتلقي المزوّد برؤى قبلية ومعانٍ جاهزة، بدل أن يتجه المعنى من النص إلى القارئ.

===

هذا من جهة.

ومن جهة أخرى: ماذا لو صغنا السؤال التالي وحاولنا الإجابة عليه:

((هل يمكن القول إن النتائج المستخلصة من قبل العلماء السابقين تجعل من غير الضروري إعادة البحث في هذا الموضوع؟ وهل أصبح مهمة الخلَف محدودة في تدوين هذه النتائج الجاهزة، وبالنظر إليها كأنها الكلمة الأخيرة حول حقيقة الأشياء؟))

الجواب في تقديري هو النفي لسببين:

- أولهما أنه بقدر ما تتطور معارفنا حول الطبيعة والنفس البشرية، وكلما اكتسبنا سببا جديدا يحملنا على أن نرى الأشياء من زاوية مختلفة، فإن ذلك يدعونا إلى أن نضع المشكلات حين ندرسها بما يتفق وهذا الجديد من العلم. والمسألة الدينية عموما -وبشكل خاص المسألة القرآنية- لا تخرج عن هذه القاعدة.

- وثانيهما: لأن مهمة الأجيال التي أتت وستأتي بعد الأجيال الأولى للإسلام لا يمكن قصرها على مجرد جمع المعلومات وتخزينها في الذاكرة ومن ثم نشرها، وإنما هي مكلفة أيضا بالمساهمة بجهدها ودورها في خدمة (الحقيقة)، والبحث بوسائلها الذاتية عما يتعين اتخاذه في سبيلها. أضف إلى ذلك أن التشكيك في (الحقيقة) قائم ودائم ويجدد وسائله وأساليبه ومقولاته، بحسب ما يتوفر لديه من أدوات معرفية جديدة، وهو ما يشكل تحديا يفرض على كل جيل من الأجيال أن يتعامل مع واقعه وفق هذه المستجدات والمتغيرات بما يسمح له بالاستمرار في خدمة (الحقيقة).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير