وما يظهر لي اليوم جليا أن هذه الملحمة – أقصد إنهاء دولتهم كما ذكرت الآيات - قد بدأت مراحلها، إذ المرحلة الأولى كما بيّنا هي إساءة وجوه بني إسرائيل.
وإساءة الوجوه المذكورة ههنا هي فضحهم، وإظهار قبائحهم أمام العالم، وتعريتهم وتعرية ما ستروه على مرّ السنوات الطويلة الماضية من الإجرام والدموية، وحبّ سفك الدماء، وانتهاك "حقوق الإنسان"، والقيام بما يسمّى اليوم بـ "جرائم الحرب"، مستترين بثوب حبّ السلام والمسكنة والإنسانية ....
وأبطال هذه المرحلة - كما يظهر – ثلاثة أطراف:
الأول: المجاهدون الثابتون على أمر الله، المستمسكون بحبل الله، {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}، فهؤلاء هم قدر الله الذي يطارد بني إسرائيل {وإذ تأذن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس؛ وأكناف بيت المقدس)
أخرجه أحمد (5/ 269، رقم 22374)، والطبرانى (8/ 145، رقم 7643)، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رجاله ثقات" (7/ 564).
فهم الشوكة العالقة في حلوق بني إسرائيل تحول بينهم وبين ما تحقيق أهدافهم، فبهم يمنع الله أولئك من نيل مرادهم، وإجراء مخططاتهم، كما قال سبحانه: {إن الله لا يهدي كيد الخائنين} وقال عزّ وجلّ: {إن الله لا يُصلح عمل المفسدين}،وبنو إسرائيل اليوم هم أئمة الفساد والإفساد، وأساتذة الخيانة والمكر، فكيف يهدي الله كيدهم؟؟ وكيف يُصلح أعمالهم بنيل أوطارهم وتوفيقهم إلى مطالبهم؟؟
الثاني: هم الضحايا الذين يظهر عليهم إجرام بني إسرائيل، وتعطشهم لسفك الدماء، وبهم يُفتضح بنو إسرائيل بين العالمين، وبهم تُساء وجوههم.
فيكون دمهم وقود هذه المرحلة، وتكون أجسادهم البريئة مادة القتل النهم الذي يمارسه يهود.
ولا يخفى على أحد ما لهؤلاء الشهداء - بإذن الله - من أهمية في صناعة النصر على بني إسرائيل، والإيذان بانتهاء دولتهم، وكشف سوأتهم، فليست دماؤهم مجّانية السفك، ولم تذهب أرواحهم سدىً بغير فائدة؛ بل هم أهم الأطراف، مع مراعاة ثبات الزمرة المجاهدة لتُقطف الثمرة.
الطرف الثالث: هم الأداة التي تكشف زيف الوجه اليهودي المحبّ للسلام أمام العالم، وتُظهر جرائمه على أعين الناس، وتنقل لهم ما يقوم به اليهود من قتل للأطفال، وتمزيق للأجساد، وتبتير للأعضاء، وترويع للآمنين، وتدمير لمنازل المدنيين، واستعمال للأسلحة المحرّمة دولياً، وملاحقة للأموات بقصف المقابر، واعتداء على المساجد ودور العبادة، الأمر الذي يُسهم في كشف الوجهة الدينية للمعركة.
هذا الطرف هو ركن هذه المرحلة، وهو مادّتها الخاصّة بها، وليس هو إلا القنوات الإعلامية الفضائية الصادقة، والصحفيون الذين يُعرّضون أنفسهم للموت في كل لحظة في محاولات جادّة لنقل الخبر، وإظهار جرائم يهود، ونقل صورها إلى أقاصي الأرض؛ الأمر الذي يشعل الكراهية ضدّ هذه الدولة المجرمة في العالم، ويُحفز العالمين: الإسلامي وغير الإسلاميّ على الثورة ضدّهم وضدّ أي علاقات معهم، فتقوم المسيرات التي يُهتف فيها بهلاكهم والانتقام منهم، و تقطع الصلات الدبلوماسية معهم – كما رأينا في فنزويلا وبوليفيا – في انتظار مثل هذه الخطوة من الأطراف العربية المطبّعة مع القتلة -، ويفقدون ما بنوه خلال سنوات طويلة في صنع صورة اليهودي المسكين الذي يستحقّ العطف والإحسان من العالم كله جرّاء ما عاناه من الهولوكوست وغيره!! فيذهب كلّ ذلك هدرا، ويُحبط الله ما كانوا يصنعون.
رجال هذه المرحلة من مراسلي القنوات الفضائية المخلصة – أمثال الأقصى والجزيرة والحوار وغيرها – هم جند من جنود الله في هذه المعركة، وهم السبب الرباني في تنفيذ هذه المرحلة وإنجاحها.
وهؤلاء يستحقون الدعاء لهم بالحفظ من المكروه، وبالتوفيق لأداء هذه المهمّة لتحقيق النصر الأوّلي في "إساءة وجوه بني إسرائيل"، وفضح جرائمهم بنقلها إلى أعين الناس جميعا.
وبعد،
فهذه الأطراف الثلاثة هي أركان النصر في المرحلة الأولى من مراحل انتهاء دولة يهود، لهم علينا الدعاء والعون بالمادّة وبالسلاح وبغيرها ممّا يحتاجونه في أداء مهمّتهم.
وهذا ما بدا لي في تفسير هذه النبوءة القرآنية في سورة الإسراء، فإن أحسنت فمن الله تعالى، وإن أسأت فمن نفسي ومن الشيطان.
مُشيرا إلى أنني استفدت من شيخي الدكتور أحمد نوفل – حفظه الله تعالى – في كثير مما ذكرته، وذلك من محاضراته الماتعة في مرحلة البكالوريوس في الجامعة الأردنية قبل ما يزيد على عشر من السنوات، فجزاه الله عني الخير الجزيل.