ومن أعظم ما يعين على قوة الاحتمال _ التمرين؛ فالصانع يكتسب صناعته بالتمرين، والموظف يتقن عمله بالتمرين، والأخلاق الفاضلة أو الرذيلة كذلك "وإنما الحلم بالتحلم، وإنما العلم بالتعلم" "ومن يتصبر يصبِّرْه الله".
فإذا قوي احتماله هان عليه كثيرٌ مما يلقاه، وحَسُنَ تعاملُه مع ما يواجهه.
4_ محاربة اليأس: فليس شيء يُعبِّسُ الوجه والنفس كاليأس؛ فاعتقادك أن لا مستقبل لك، ولا أمل في حياتك، ولا خير يتنظرك، ولا حلَّ لمشكلاتك _ سَمٌّ قاتل، وسجن مظلم، يَصُدُّ النفس، ويقمعها، ولا يزال بالإنسان حتى يهلكه.
وعلى العكس من ذلك فإن تَوقُّعَه الخير، وأملَه في الحياة يحمله على أن يوسع مداركه، وعلى الجد فيما اختاره من صنوف العيش، وعلى استعمال ما وهبه اللَّه خير استعمال.
فإذا أردت السرور فحارب اليأس، واقطع أسبابه، وعَوِّدْ نَفْسَك الأملَ، وتوقع الخير في المستقبل.
5_ محاربة الكآبة: فالاستسلام للحزن، والإغراق في التشاؤم، والاسترسال مع الهم، والخوف من وقوع المكروه، والإفراط في تقدير الشر _ مما ينغص الحياة، ويقلل الإنتاج، ويزيد الآلام، ويضاعف البؤس والشقاء؛ فحارب الكآبة من نفسك، وادرأ الهم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وابتسم للحياة، وابتهج بها من غير إسراف _ تَزْدَدْ حياتُك إشراقاً وقوة، وتشعر بالسرور والسعادة.
قال الشافعي –رحمه الله-:
سهرت أعين ونامت عيون ... في أمور تكون أو لا تكونُ
فادرأ الهم ما استطعت عن النفـ ... ـس فَحُمْلانُك الهمومَ جُنون
إن ربَّاً كفاك بالأمس ما كا ... ن سيكفيك في غدٍ ما يكون
6_ سعة الأفق: لأن من أهم أسباب الحزن ضيق الأفق، وكثرة تفكير الإنسان في نفسه، حتى كأنها مركز العالم، وكأن الشمس، والقمر، والنجوم، والسعادة، والرخاء كلها خلقت لشخصه؛ فهو يقيس كلَّ المسائل بمقياس نفسه، ويديم الفكر فيها، وفي علاقة العالم بها؛ فيفسر تصرفات الآخرين على أنها موجهةٌ إليه، دون غيره.
وهذا _من غير ريب_ يوجد البؤس والشقاء والحزن؛ فمحالٌ أن يجري العالم على وَفْقِ ما تريده نفسه؛ لأن نفسه ليست هي المركز، وإنما هي نقطة صغيرة في محيط عظيم.
ومحالٌ أن يكون هو الهمَّ الوحيدَ للآخرين؛ لأن عندهم من أمورهم الخاصة والعامة ما يشغلهم عنه.
فإنْ هو وسَّع أفقه، ونظر إلى العالم الفسيح من حوله، ونسي نفسه كثيراً في سبيل مصلحة عامة أو نحو ذلك _ شعر بأن الأعباء التي ترزح تحتها نفسه، والقيود الثقيلة التي ينوء بها كاهله _ قد خفت كثيراً، وتحللت شيئاً فشيئاً.
وهذا هو السبب في أن أكثر الناس فراغاً هو أشدهم ضيقاً بنفسه؛ لأنه يجد من زمنه ما يطيل التفكير فيها، فإنْ هو استغرق في عمله، وفكَّر في مصلحته الخاصة، ومصلحة أمته كان له من ذلك لذةٌ مزدوجةٌ: لذةُ الفكرِ والعملِ، ولذةُ نسيانِ الهموم.
قال الرافعي –رحمه الله-: "إذا استقبلت العالم بالنفس الواسعة رأيت حقائق السرور تزيد وتتسع، وحقائق الهموم تصغر وتضيق، وأدركت أن دنياك إن ضاقت فأنت الضيق لا هي".
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[27 Feb 2009, 01:36 م]ـ
قال الرافعي –رحمه الله-: "إذا استقبلت العالم بالنفس الواسعة رأيت حقائق السرور تزيد وتتسع، وحقائق الهموم تصغر وتضيق، وأدركت أن دنياك إن ضاقت فأنت الضيق لا هي". [/ align]
أحسن الله إليكم يا أبا إبراهيم على هذه الوقفات، ورحم الله الرافعي.