كانت له آثاره الجانبية - كما يقولون - ومن ذلك الآتي:
1 - خالف الجرجاني - من أجل معركته – كافة آراء البلاغيين قبله وجعل الفصاحة صفة للمعنى دون اللفظ والجرس وأصداء الحروف، ولما كانت رشاقة الألفاظ وحلاوة الأجراس وجزالة المفردات وصلصلة الحروف لا تمثل عند الجرجاني شيئاً ذا بال حتى يعتد بها – فقد جعل كلا من البلاغة والفصاحة مزية للمعنى؛ وليس لها من تعلّق بالألفاظ والأصوات وما شابه ذلك؛ ولهذا يقول: (إن الكلام إنما يكون فصيحاً من أجل مزية تكون في معناه)
2 - كره الجرجاني الاتجاه اللفظي كراهية - جعلته يجترئ على القراءات القرآنية ويقلل من شأنها؛ يقول: (وهل يكون أضعف رأياً وأبعد من حسن التدبر منك - إذا أهمك أن تعرف الوجوه في) أأنذرتهم (والإمالة في) رأى القمر (وتعرف) الصراط (و) الزراط (وأشباه ذلك مما لا يعدو علمك فيه اللفظ وجرس الصوت ولا يمنعك إن لم تعلمه بلاغة ولا يدفعك عن بيان ولا يدخل عليك شكاً ولا يغلق دونك باب معرفة ولا يفضي بك إلى تحريف وتبديل و إلى خطأ في تأويل) ورغم إقرارنا بأن هذه الأمور التي ذكرها أكثر أهمية من القراءات الصوتية؛ إلا أن للقراءات والأصوات والأجراس والأصداء القرآنية أهميتها أيضا وليس العلم بها ضعفاً في الرأي.
وكما رفض الجرجاني الاعتداد بصوت المفرد – وهو اتجاه صحيح – فإنه رفض الاعتداد بصوت النظم ومسموعه أيضا، يقول: (ما مثل من يزعم أن الفصاحة صفة للفظ من حيث هو لفظ ونطق لسان، ثم يزعم أن يدعيها لمجموع حروفه دون آحاده إلا مثل من يزعم أن ها هنا غزلاً إذا نسج كان أحمر، وإذا فرّق ونظر إليه خيطاً خيطاً لم تكن فيه حمرة أصلاً)
وبهذا رفض الجرجاني الجانب الصوتي جملة وتفصيلاً سواء في المفردة أو النظم والتركيب، وإذا كان النظم لا يغيّر طبيعة المفردات في ذاتها وكذلك النسج والنقض لا يغيران من طبيعة الخيوط شيئا – فإنه يمكن الردّ على مثال الجرجاني بأن: هنالك ثوباً فيه شكل طائر؛ وهو منسوج؛ فإذا فرّق ونظر إليه خيطاً خيطاً لم يكن لهذا الطائر من أثر، ولعل الذي دفع الجرجاني إلى هذه المغالطة هو أنه قد اتجه اتجاهاً معنوياً ورفض ما سواه من آثار النظوم؛ ولذلك يقول صراحة
ما من سبيل إلى إثبات معجزة
في النظم إلا بما أصبحت أبديه
وما أبداه هو أنه جعل النظم هو توحي معاني النحو وأحكامه، وضرب صفحاً عما يحدثه هذا النظم من الأصوات والأصداء والأجراس.
ويبدو أن الجرجاني قد كان على وعي بذلك، ولهذا تراه يعلل هذه الأمور في أجزاء متفرقة من كتابه، ومن الأسباب التي ذكرها الآتي:
1 - إغلاق منافذ الخصوم؛ يقول: (أحببت لذلك أن لا أدع شيئاً مما يحوز أن يتعلق به متعلق ويلجأ إليه لاجئ ويقع في نفس سامع شك إلا استقصيت في الكشف عن بطلانه)
2 - الخوف من الضرر الذي يلحق آراءه المتعلقة بالمعنى الذي هو شديد الأهمية لديه؛ يقول: (إذا أخذنا بأن يكون تلاؤم الحروف وجهاً من وجوه الفضيلة وداخلاً في عداد ما يفاضل به بين كلام وكلام على الجملة - لم يكن لهذا الخلاف ضرر علينا لأنه ليس بأكثر من أن نعمد إلى الفصاحة فنخرجها من حيز البلاغة)
الخوف من قصر المزية على الأصوات، يقول: (اعلم أنا لا نأبى أن تكون مذاقة الحروف وسلامتها مما يثقل على اللسان فيما يوجب الفضيلة وأن تكون مما يؤكد أمر الإعجاز، وإنما الذي ننكره رأي من يذهب إلى أن يجعله معجزاً به وحده ويجعله الأصل والعمدة فيخرج إلى ما ذكرنا من الشناعات)
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[21 Feb 2009, 10:40 م]ـ
مجرد محاولة لدراسة الإعجاز الصوتي
هذه محاولة حسبي فيها أنني بينت الطريق وهنالك من هم أقدر مني في دراسة هذه الجوانب الصوتية وتأسيس نظرية الفصاحة القرآنية بصورة أكثر إتقانا وجودة وأنا أضع هذه الدراسة المتواضعة بين أيديهم بعد أفرغت ما مكنني الله فيها من جهد.وكما بينت سابقا فإن "الفصاحة" شيء آخر غير "البلاغة" كما اتضح من دراستنا السابقة لهذين المفهومين.
مفهوم الفصاحة في القرآن الكريم:
¥