تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولما كان القرآن على هذه الصفة فهو غني عن تلك الكتب غير محتاج إلى ما فيها من حقائق وأحكام، ولهذا فإن الإسرائيليات التي تم بها تفسير القرآن إنما شوشت التفاسير وشوهت صورتها، يقول ابن كثير: (وفي القرآن غُنْيَةٌ عن كلّ ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وُضِعَ فيها أشياء كثيرة. وليس لبني إسرائيل من الحفّاظ المُتْقِنين الذين يَنْفُون عنها تحريفَ الغَالِين وانتحال المبطلين، كما لهذه الأمة)

وإذا ذكر الله تعالى أن التوراة والإنجيل (فيهما نور) في قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ) وقوله (وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ) فإنه ذكر أن القرآن هو النور نفسه؛ فقال: (وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ) وقال: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا) وقال: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) وقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا) ولهذا فإن الكتب السابقة في حاجة للقرآن ليؤكد ما فيها من صدق ويصحّح ما وقع فيها من باطل محرّف، أما هو فمكتفٍ بنفسه غير محتاجٍ إليها.

الله أكبر، إن دين محمد وكتابه أقوى وأقوم قيلا

لا تذكروا الكتب السوالف عنده طلع الصباح فأطفئ القنديلا

التعامل مع الإسرائيليات في عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) والصحابة:

وردت أحاديث تنهى المسلمين عن الأخذ بالإسرائيليات، وقد وجد النبي ((صلى الله عليه وسلم)) بيد عمر بن الخطاب كتابا أصابه من بني إسرائيل- كما روى أحمد-؛ فغضب؛ وقال: (أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي) وقال أيضا - كما روى أحمد-: (لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا) وقال ابن عباس- كما روى البخاري -: (كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ ((صلى الله عليه وسلم)) أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ فَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) ورغم هذا النهي عن الأخذ بالإسرائيليات فقد جاء حديث يبيح ذلك؛ قال ((صلى الله عليه وسلم)) - كما روى البخاري ومسلم -: (وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ) وقد ذهب العلماء في شرح هذا الحديث مذاهب شتى؛ فقيل: إن النهي كان قبل استقرار أحكام الإسلام ثم لما استقرت جاء التوسع والإذن بالأخذ، وقيل: لا تضيق صدوركم بما تسمعون من الأعاجيب فإنه وقع فيهم كثيراً رغم استحالة وقوع مثل ذلك على هذه الأمة؛ وذلك كنزول النار من السماء لأكل القربان، وقيل المعنى: لا حرج عليكم في روايتها رغم ما فيها من الألفاظ الشنيعة، وقيل: لا حرج في التحديث عن بني إسرائيل نفسه (يعقوب) أي إخوة يوسف، وقيل غير ذلك

ورغم كل ما قيل في شرح الحديث من أقوال العلماء فإن هذه الأقوال غير مقنعة البتة، ويعتقد الباحث أنه لا يمكن فهم هذه الأحاديث الناهية عن الأخذ بالإسرائيليات والمجيزة لذلك إلا باستحضار المقامات التي قيلت فيها ومعرفة أسباب ورودها، ولما كانت هذه الأمور خافية وغير مذكورة في الكتب فإننا يمكن أن نفهم هذه الأحاديث من خلال فعل الصحابة رضوان الله عليهم وهم الذين أدركوا مقاصد هذه الأحاديث بمعرفتهم بأسباب ورودها وشهود مقاماتها، وقد شكّلت مواقفهم إزاء هذه الإسرائيليات مناهج للتعامل معها؛ وتفصيل ذلك كالآتي:

(أ) منهج التثبّت والرفض:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير