تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلذلك قال: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض}.

فمعنى قوله: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً}: أنّها كذلك في النظام الذي وضَع عليه هذه الأرض التي جعلها مقرَّ البشر باعتبار تمايز كلّ واحد فيها عن الآخر، فإذا تجاوزت الاثني عشر صار ما زاد على الاثني عشر مماثلاً لنظير له في وقت حلوله فاعتبر شيئاً مكرّراً.

و {عند الله} معناه في حكمه وتقديره، فالعندية مجاز في الاعتبار والاعتداد، وهو ظرف معمول ل {عدّة} أو حال من {عدّة} و {في كتاب الله} صفة ل {اثنا عشر شهراً}.

ومعنى {في كتاب الله} في تقديره، وهو التقدير الذي به وُجدت المقدورات، أعني تعلقّ القدرة بها تعلّقاً تنجيزياً كقوله: {كتابا مؤجلا} [آل عمران: 145] أي قدرا محدّداً، فكتاب هنا مصدر.

بيان ذلك أنّه لمّا خلق القمر على ذلك النظام أراد من حكمته أن يكون طريقاً لحساب الزمان كما قال: {وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب} [يونس: 5] ولذلك قال هنا {يوم خلق السماوات والأرض} ف {يومَ} ظرف ل {كتاب الله} بمعنى التقدير الخاصّ، فإنّه لما خلق السماوات والأرض كان ممّا خلَق هذا النظامُ المنتسب بين القمر والأرض.

ولهذا الوجه ذُكرت الأرض مع السماوات دون الاقتصار على السماوات، لأنّ تلك الظواهر التي للقمر، وكان بها القمر مجزَّءاً أجزاء، منذُ كونِه هلالاً، إلى رُبعه الأول، إلى البدر، إلى الربُع الثالث، إلى المحاق، وهي مقادير الأسابيع، إنّما هي مظاهر بحسب سمته من الأرض وانطباع ضوء الشمس على المقدار البادي منه للأرض.

ولأنّ المنازل التي يحلّ فيها بعدد ليالي الشهر هي منازل فرضية بمرأى العين على حسب مسامتته الأرض من ناحية إحدى تلك الكُتل من الكواكب، التي تبدو للعين مجتمعة، وهي في نفس الأمر لها أبعاد متفاوتة لا تآلف بينها ولا اجتماع، ولأنّ طلوع الهلال في مثل الوقت الذي طلع فيه قبلَ أحد عشر طلوعاً من أي وقت ابتُدىءَ منه العد من أوقات الفصول، إنّما هو باعتبار أحوال أرضية.

فلا جرم كان نظام الأشهر القمرية وسنَتُها حاصلاً من مجموع نظام خلق الأرض وخلق السماوات، أي الأجرام السماوية وأحوالها في أفلاكها، ولذلك ذكرت الأرض والسماوات معاً.

وهذه الأشهر معلومة بأسمائها عند العرب، وقد اصطلحوا على أن جعلوا ابتداء حسابها بعد موسم الحجّ، فمبدأ السنة عندهم هو ظهور الهلال الذي بعد انتهاء الحجّ وذلك هلال المحرّم، فلذلك كان أول السنة العربية شهر المحرم بلا شكّ، ألا ترى قول لبيد:

حتى إذا سَلَخَا جمادَى سِتةً ... جَزْءا فطَال صيامُه وصِيامها

أراد جمادى الثانية فوصفه بستّة لأنّه الشهر السادس من السنة العربية.

وقرأ الجمهور {اثنا عشر} بفتح شين {عشر} وقرأه أبو جعفر {اثنا عْشَرَ} بسكون عين {عشر} مع مدّ ألف اثنا مُشْبَعاً.

والأربعة الحرم هي المعروفة عندهم: ثلاثة منها متوالية لا اختلاف فيها بين العرب وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم، والرابع فرد وهو رجب عند جمهور العرب، إلاّ ربيعة فهم يجعلون الرابع رمضان ويسمّونه رَجَباً، وأحسب أنّهم يصفونه بالثاني مثل ربيع وجمادى، ولا اعتداد بهؤلاء لأنّهم شذّوا كما لم يعتدّ بالقبيلة التي كانت تُحلّ أشهر السنة كلَّها، وهي قضاعة.

وقد بيّن إجمال هذه الآية النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجّة الوداع بقوله: {منها أربعة حرم} «ذو القعدة وذو الحجّة والمحرم ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان»."

أنتهى كلامه رحمه الله تعالى

ـ[إبراهيم المصري]ــــــــ[14 Mar 2009, 10:26 ص]ـ

جزاك الله خيرا على هذا الإثراء ونفع بك

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير