"نعم" حرف ماض جامد مخصوص بالمدح، اتصل باسم الموصول "ما" الذي يدل في الآية الأولى على الصدقات، والعدل وأداء الأمانات في الآية الثانية؛ وكلها مما يلازمها المدح ولا يفارقها؛ وعلى ذلك جاء الرسم بالوصل لا القطع.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الحادية والثلاثون: وصل عمّ
وردت "عَمَّ" في موضع واحد فقط؛
في قوله تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) النبأ
"عمَّ" مكونة من حرف الجر: "عَنْ"، ومن اسم الاستفهام: "مَا"؛ وقد أدغمت النون في الميم، وحذفت من الرسم، ثم حذفت ألف ما.
ما يسألون عنه؛ هو يوم القيامة، مستبعدين قيامه بعد الموت، هو متصل به، ولا مفر لهم منه، ومحيط بهم.
فأبدلت لذلك نون النزع بميم الإحاطة، وتم إدغامها في الميم الثانية فصارت ميمًا واحدة مشددة، علامة على شدة الإحاطة بهم، واختفت نون النزع في الرسم كما اختفى النطق بها؛ علامة على أنه لا مفر لهم مما سألوا عنه، ويستبعدون قيامه.
ولما كانت "ما" المكونة من ميم الإحاطة التي شملت كل شيء تجمعه فيها، وألف الامتداد المنفصل الدالة على إنفراد أفراد هذا الجمع كل واحد بصفته المتميز بها، فإن الجمع يوم القيامة شمل كل الناس بلا استثناء، في وقت واحد لا يتقدم ولا يتأخر فيه أحد عن أحد؛ فقد حذفت كذلك ألف التفصيل.
فهذه الحذف الذي تم في رسم (عَنْ مَا) لتصبح (عَمَّ) قد مثل حقيقة ما يسألون عنه، وسهولة وسرعة قيامه يوم يأتي أجله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثانية والثلاثون: وصل كالوهم،
والكلمة الثالثة والثلاثون: وصل وزنوهم
وردت كالوهم مرة واحدة، وكذلك وزنوهم مرة واحدة؛
في قوله تعالى: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) المطففين.
وهاتان الكلمتان في وصلهما كلام، ذكر في تفاسير عديدة، وانقل من تفسير القرطبي ما يبين ذلك؛
جاء في تفسير القرطبي،، لهذه الآية:
قوله تعالى: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ).
فيه مسألتان:
الأولى ـ قوله تعالى: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ)؛ أي كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذفت اللام، فتعدى الفعل فَنَصب؛ ومثله نصحتك ونصحت لك،
قال: ومن الناس من يجعلها توكيداً، ويجيز الوقف على «كالُوا» و «وزَنوا» والأوّل الاختيار؛ لأنها حرف واحد. هو قول الكسائيّ. قال أبو عبيد: وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين، ويقف على «كالوا» و «وزنوا» ويبتدىء «هُمْ يجسِرون» قال: وأحسب قراءة حمزة كذلك أيضاً. قال أبو عبيد: والاختيار أن يكونا كلمة واحدة من جهتين: إحداهما: الخطّ؛ وذلك أنهم كتبوهما بغير ألف، ولو كانتا مقطوعتين لكانتا «كالوا» و «وزنوا» بالألف، والأخرى: أنه يقال: كِلْتك ووزنتُك بمعنى كلت لك، ووزنت لك، وهو كلام عربي؛
والوجه الآخر: أن يكون على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مُقامه، والمضاف هو المكيل والموزون. وعلى القراءة الثانية «هُمْ» في موضع رفع بالابتداء؛ أي وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم فهم يخسرون. ولا يصح؛ لأنه تكون الأُولى مُلغاة، ليس لها خبر، وإنما كانت تستقيم لو كان بعدها: وإذا كالوا هم يَنْقُصون، أو وزنوا هم يُخْسرون.
والرأي أن كالوهم كلمة واحدة، ووزنوهم كلمة واحدة، وليس فيهما وصل، وذكرناهما لأنهما ذكرا ضمن الكلمات المقطوعة وتم وصلهما في الرسم القرآني.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الرابعة والثلاثون: وصل مم
وردت "مِمَّ" مرة واحدة في القرآن الكريم؛
في قوله تعالى: (فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) الطارق.
تشكلت مم؛ مِنْ حرف الجر: "مِنْ"، ومن اسم الاستفهام: "مَا"؛ فقلبت نون "مِنْ" إلى ميم، وأدغمت في ميم "مَا"، وسقطت النون رسمًا وصوتها، وتم أيضًا حذف ألف "مَا".
من التبعيضية مكونة من حرف الميم، وهو يفيد الإحاطة والغلبة، فهو جامع لكل شيء ومحيط به، وحرف النون الذي يفيد النزع، فدل ذلك على وجود نزع من هذا الجمع، فكان في ذلك إشارة إلى الشيء المنزوع، والمنزوع منه، فكان استعمل هذا الاجتماع لهذين الحرفين للدلالة على معنى التبعيض؛ فهو بعض ذلك الجمع.
وما مكونة من حرف الميم، وهو يفيد الإحاطة والغلبة، فهو جامع لكل شيء ومحيط به،
وحرف الألف الذي يفيد الامتداد المنفصل، فهو للتفصيل؛ أي أن ذلك الجمع مكون من أفراد
قد اختص كل فرد منهم بما يميزه عن الباقين.
¥