تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

9 - جاءت كلمة "حياة" منونة، لتدل على أن ههنا ليست بعينها مقيدة باصطلاح معين؛ فقد يكون في القصاص حياة اجتماعية، وقد يكون فيه حياة سياسية، وقد تكون الحياة أدبية، وقد تعظم في بعض الأحوال عن أن تكون حياة.

10 - إن لفظ "حياة" هو في حقيقته الفلسفية أعم من التعبير "بنفي القتل"؛ لأن نفي القتل إنما هو حياة واحدة، أي ترك الروح في الجسم، فلا يحتمل شيئًا من المعاني السامية، وليس فيه غير هذا المعنى الطبيعي الساذج؛ وتعبير الكلمة العربية عن الحياة "بنفي القتل" تعبير غليظ عامي يدل على جهل مطبق لا محل فيه لعلم ولا تفكير، كالذي يقول لك: إن الحرارة هي نفي البرودة.

11 - جعل نتيجة القتل حياة تعبير من أعجب ما في الشعر يسمو إلى الغاية من الخيال، ولكن أعجب ما فيه أنه ليس خيالًا، بل يتحول إلى تعبير علمي يسمو إلى الغاية من الدقة، كأنه يقول بلسان العلم: في نوع من سلب الحياة نوع من إيجاب الحياة.

12 - فإذا تأملت ما تقدم وأنعمت فيه تحققت أن الآية الكريمة لا يتم إعجازها إلا بما تمت به من قوله: {يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 179] فهذا نداء عجيب يسجد له من يفهمه؛ إذ هو موجه للعرب في ظاهره على قدر ما بلغوا من معاني اللب، ولكنه في حقيقته موجه لإقامة البرهان على طائفة من فلاسفة القانون والاجتماع، هم هؤلاء الذين يرون إجرام المجرم شذوذًا في التركيب العصبي، أو وراثة محتومة، أو حالة نفسية قاهرة، إلى ما يجري هذا المجرى؛ فمن ثم يرون أن لا عقاب على جريمة؛ لأن المجرم عندهم مريض له حكم المرضى؛ وهذه فلسفة تحملها الأدمغة والكتب، وهي تحول القلب إلى مصلحة الفرد وتصرفه عن مصلحة المجتمع، فنبههم الله إلى ألبابهم دون عقولهم، كأنه يقرر لهم أن حقيقة العلم ليست بالعقل والرأي، بل هي قبل ذلك باللب والبصيرة، وفلسفة اللب هذه هي آخر ما انتهت إليه فلسفة الدنيا.

13 - وانتهت الآية بقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179]، وهي كلمة من لغة كل زمن، ومعناها في زمننا نحن: يا أولي الألباب، إنه برهان الحياة في حكمة القصاص تسوقه لكم، لعلكم تتقون على الحياة الاجتماعية عاقبة خلافه فاجعلوا وجهتكم إلى وقاية المجتمع لا إلى وقاية الفرد.

وبعد فإذا كان في الآية الكريمة -على ما رأيت- ثلاث عشرة وجهًا من وجوه البيان المعجز، فمعنى ذلك من ناحية أخرى أنها أسقطت الكلمة العربية ثلاث عشرة مرة."

رحم الله الرافعي وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.

ـ[منيب عرابي]ــــــــ[15 Jul 2010, 03:47 م]ـ

يقول ابني أوردت الشبهة ولم تورد الرد وهذا لا يُحسن.

قلت: خشيت من الإطالة، وأحلت على المصدر.

قال: ليس الجميع يستطيع الرجوع إلى المصدر فمن المستحسن أن تضع الرد.

قلت: حباً وكرامة والله من وراء القصد ............. وهذا رد الرافعي رحمه الله تعالى:

.

بالمناسبة لو لم تضع كلام الرافعي لما بحثت عن كلامه في المصدر ... بارك الله في ابنك.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 Jul 2010, 04:33 م]ـ

أحسنت يا أبا سعد وفقك الله، وبالرغم أنني قد قرأتُ هذا المقال عدة مرات من قبلُ، إلا أنني قرأته الآن كاملاً وكأنني أقرؤه لأول مرة، فجزاك الله خيراً، وما أجمل التذكير بين الحين والآخر بِمثل هذا الكلام العالي الغالي حقاً، وجزاك الله خيراً وجزى ابنك مثله فقد أحسن نصيحتك، وما كلُّ أحدٍ ينشط للرجوع في هذه الانترنت، فاتخذ ابنك مستشاراً فهو نعم الناصح بارك الله فيك وفيه.

ورحم الله الإمام الفريد من نوعه مصطفى صادق الرافعي، فهو - والله - من أصدق أدباء العربية قلماً، وأنصعهم بياناً.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير