تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مع أن الراجح أن الكوبة هي الطبل للأدلة التالية:

أولا: أن النرد سماه الرسول صلى الله عليه وسلم نردا كما في قوله صلى الله عليه وسلم: من لعب بالنرد فقد عصى الله و رسوله، (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن أبي موسى وحسنه الألباني في سنن أبي داود وغيره. كما سماه النردشير كما في صحيح مسلم، ولو أراد الرسول النرد فإن يغلب على الظن أن يستعمل لفظة النرد أو النردشير لاستعاله لها في حديث آخر ولأنه أنصح الناس وأبينهم.

ثانيا: أن الفقهاء ورواة الحديث هم الذين فسروا الكوبة بالطبل، وقد قرر أئمة العلم أن رواة الحديث والفقهاء أعلم بمراد الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل اللغة إذ الشريعة تنقل الألفاظ من استعمالها اللغوي إلى الاستعمال الشرعي، وهذا لا يحسنه إلا العلماء بالوحي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالىفي كتابه درء التعارض: من كان أعلم بالأدلة الدالة على مراد المتكلم كان أعلم بمراده من غيره وإن لم يكن نبيا فكيف بالأنبياء فإن النحاة أعلم بمراد الخليل وسيبويه من الأطباء والأطباء أعلم بمراد أبقراط وجالينوس من النحاة والفقهاء أعلم بمراد الأئمة الأربعة وغيرهم من الأطباء والنحاة وكل من هذه الطوائف يعلم بالإضطرار من مراد أئمة الفن ما لا يعلمه غيرهم فضلا عن أن يعلمه علما ضروريا أو نظريا وإذا كان كذلك فمن له اختصاص بالرسول ومزيد علم بإقواله وأفعاله ومقاصده يعلم بالإضطرار من مراده ما لا يعلمه غيره اهـ جواهر كلامه رحمه الله.

ولذا فقد فسره ابن بذيمة وأقره أبو داود ولم يتعقبه وفسره أحمد بن حنبل وحسبك بهم علما في الحديث. ثم لم ينفرد ابن بذيمة وهو يروى الحديث بهذا التفسير بل في الطريق الآخر عن عبدالكريم الجزري عن قيس بن حبتر بلفظ:

((إن الله حرم عليهم الخمر والميسر والكوبة وهو الطبل وقال كل مسكر حرام))

فهذا عبدالكريم يروى عن قيس بن حبتر ذلك، بل ليس في الحديث ما يوحي أن تفسير الكوبة بالطبل مدرج بل يظهر أنه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الرواية.

كما يؤيده ما رواه البيهقي عن ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن أبي هريرة أو هبيرة العجلاني، عن مولى لعبد الله بن عمرو، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم ذات يوم وهم في المسجد فقال:

" إن ربي حرم علي الخمر، والميسر، والكوبة، والقنين "". والكوبة: الطبل.

أخرجه البيهقي (10/ 222) وأحمد (2/ 172) فهذا الحديث ليس فيه بيان من الذي فسر الكوبة بالطبل وليس في الإسناد ابن بذيمة، ولا ما يوحي بأنه مدرج مما يقول القول بأن التقسير هو من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهذا القول أرجح ولذا قال الألباني:

والكوبة هي الطبل كما جاء مفسرا في حديث ابن عباس وابن عمر وجزم به الإمام أحمد واعتمده ابن القيم.

وادعاء الإدراج في الحديث مخالف لأصول أهل الحديث بأن الأصل الرفع.

فهذا نص الحديث فيه تفسير الكوبة بالطبل وهولااء ائمة الحديث:يحيى بن إسحاق كما في كتاب الإشربة، للإمام أحمد، وابن بذيمة، وأبو داود، والإمام أحمد، ورواة الحديث بكل طرقه وائمة الشافعية كما في وسيط الغزالي: قال الكوبة: طبل المخنثين، وكما في مغني المحتاج للشربيني، وفي منهاج الطالبين للنووي، كلها تجمع على أن الكوبة الطبل، أفندع ذلك لقول أحد أهل اللغة.

ثالثا: مما يقوي ما سبق تحريم الطبل أصلا لدخوله في عموم المعازف، فلو لم يصح هذا الحديث لكان عموم الأدلة دالا على تحريمه، ولم يخرجه أي دليل عن هذا العموم، فكيف وقد جاء النص الصحيح الصريح بذلك كما قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (2/ 312): صاحب كوبة وهي الطبل اهـ

وفي تفسير الطبري:قال مجاهد رحمه الله وهو أعرف تلاميذ بن عباس بتفسيره وقد عرض القرآن على ابن عباس ثلاث مرات يسأله عن كل آية ولذلك قدمه البخاري رحمه الله في صحيحه عن غيره يقول في قوله تعالى:

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (6) سورة لقمان

قال: اللهو هو الطبل اهـ

ومما يستأنس به من جهة اللغة أن الكوبة مأخوذة من الكب كما ذكره أحمد، فالطبل يكب على وجهه كما هو معلوم قال ابن فارس في المعجم: الكاف والباء أصل صحيح يدل عى جمع وتجميع لا يشذ منه شيء ثم قال ومنه كببت الشيء لوجهه أكبه كبا.

وخلاصة الكلام في الفتوى المنشورة عن الشيخ العبيكان حفظه الله أنها تقوم إما على نصوص عامة قد خصصتها نصوص أخرى أو أدلة في غير موضع النزاع أو أدلة ضعيفة أو ما ليس بدليل أصلا أو تفسير مرجوح.

فيتحرر مما سبق تحريم استعمال الطبول في العرضات إذا افترضنا أن هذه العرضات مباحة بدونه وخالية من كل منكر،كيف وهي مليئة بما فيه إثارة النعرات القبلية، وإعادة النزاعات الجاهلية، وشتم الأحياء والأموات، مع السقوط في القذف للأعراض، والتبجح بالوقاحة من القول، مع إنفاق الأموال على الشعراء الغاوين الذين هم في كل واد يهيمون ويقولون ما لايفعلون، والسمر على الباطل إلى ساعات متأخرة من الليل في صد عن ذكر الله وعن الصلاة، ولا شك أن كل عاقل يدرك أن هذا العمل من اللغو والباطل والسفه الذي لا تقره شريعة الحق والهدى ولا ترضاه قواعدها القائمة على جلب المصالح ودرء المفاسد، فأي مصلحة في بقاء الناس ساعات طويلة يستمعون إلى هؤلاء الشعراء يتشاتمون بمقذع القول، ووضيع الكلام، بينما هم يتقافزون منهكين لقواهم، مثيرين للغبار والتراب فوق رؤوسهم في منظر يترفع عنه من عنده مسكة من عقل، ولاحول ولا قوة إلا بالله.

هذا آخر ما تيسرجمعه على عجالة أحببت الاختصار فيه عسى الله أن ينفع به كاتبه وقارئه والعامل به والله مولانا ونعم المولى ونعم النصير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

عبد الله بن بلقاسم البكري

الثلاثاء22/ 12/1425

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير