تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الشيوعيين المصريين، وفيه هو أيضا كلام عن انتشار الميول المثليّة بين الشيوعيين فى السجن وتلذذهم بذلك دون أى حرج على الإطلاق رغم ما يتظاهرون به أمام الناس من النفور من هذا الشذوذ، وهو ما أثار حنق الكاتب فاتهمهم بالنفاق والمراوغة، إذ يراهم يستنكرون فى العلن ما يأتونه فيما بينهم ولا يجدون فيه أدنى مؤاخذة، بل يُضْفُون عليه غلالة شاعرية دافئة!

كما ينتفض فى الذاكرة الآن ما قرأتُه أوائل ثمانينات القرن العشرين فى رواية نجيب محفوظ: "رحلة ابن فطومة" مما رآه بطل الرواية فى رحلته إلى البلاد التى ترمز فى الرواية إلى أوربا وأمريكا من تساهل المسلمين الموجودين هناك فى مسألة الخمر وقيام طائفة منهم بالتظاهر دفاعا عن ممارسة الشذوذ الجنسى. وقد أثار استغرابى ألا يجد المؤلف من مشاكل مسلمى الغرب ما يستحق معالجته إلا هذين الموضوعين، فضلا عما لاحظتُه من تعاطف الرواية مع هاتين النزعتين بشبهة الحاجة إلى تفهم ظروف المسلمين فى تلك البلاد وما يسودها من نزوع إلى الحرية، مع أن هاتين القضيتين هما آخر ما ينبغى أن يفكر المسلمون فى تقليد الغرب فيهما، إذ لا ينقصنا بحمد الله ألوان التقهقر حتى نضيف إليها ما يثبِّت تخلفنا ويضاعف الخلل لدينا. ومما أثار استغرابى فى الأمر أن مسألة اشتراك مسلمى الغرب فى تظاهرات المطالبة بحق ممارسة الشذوذ الجنسى لم تكن واردة آنذاك، بل لم أسمع أصلا، وأنا فى بريطانيا أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن المنصرم، أن هناك مسلمين شواذ، فضلا عن أن يتظاهروا من أجل تقرير حقهم هم وأمثالهم فى ممارسة اللواط والسحاق، بل لا أذكر أنه كانت هناك مظاهرات لهذا الغرض قام بها غير المسلمين. وهذه أول مرة أسمع بأن هناك مسلمين ومسلمات شواذّ فى كندا وأمريكا وأوربا يعضّدون سحاقيتنا هذه ويشتركون فى مؤتمرات خاصة بالشذوذ الجنسى ويتصلون بها أثناء تقديمها برنامجها الشاذ فى التلفاز يظاهرونها على ما تقوله وتدعو إليه، ولهم منظمة تدبّر شؤونهم ... إلخ.

من أين استمد نجيب محفوظ إذن فكرته هذه الاستباقية؟ أنقول إنها عبقرية الإبداع الأدبى التى تستبصر المستقبل قبل وقوعه؟ لكن مبلغ علمنا أن الأستاذ محفوظ لم يكن يوما من "ضاربى الودع"، بل إنه لم يسافر قط إلى أوربا أو أمريكا، فما الذى لَمَّ الشامى على المغربى وجعل شيخ الروائيين العرب وتلك المفعوصة الشاذة ينزعان عن قوس واحدة رغم تنائى الزمان والمكان والبيئة والخُلاّن! ألا إنه لأمر غريب! لقد كتبت دراسة تحليلية لرواية "رحلة ابن فطومة" يجدها القارئ فى الفصل الأخير من كتابى: "فصول من النقد القصصى" فى أواسط الثمانينات من القرن الماصى، أبديت فيها استغرابى لموقف عمنا الكبير، ولم يكن فى حسبانى أن هناك فصلاً آخر لم يئن أوانه بعد سوف أطلع على أحداثه على موقع من مواقع المشباك بعد نحو عشرين عاما. ولعلنا كذلك لم ننس ما كتبه توفيق الحكيم فى أخريات حياته عن أفلام ممارسة الجنس التى شاهدها فى إحدى سفرياته الأخيرة إلى "عاصمة النور" فى ذلك الوقت، والهالة المتألقة التى رسمها لجو الوقار والاحترام الذى يقول إنه كان يسود صالة العرض آنذاك، وكأن المشاهدين فى محراب علم، ودعانا إلى أن نتأسى بالفرنسيين فى سلوكهم هذا الوقور المحترم! وبالمثل ينبغى ألا ننسى شغف الروايات التى يحبِّرها جمال الغيطانى بالشذوذ الجنسى لدرجة أنه فى إحدى رواياته قد تريث عند مضاجعة أحد الفحول لصحفى (أو وزير. لا أذكر بالضبط)، وبالصوت والصورة أيضا. كما قرأت لفاروق عبد القادر فى كتابه الذى صدر العام الماضى فى سلسلة "كتاب الهلال" أن الغيطانى فى رواية أخرى من رواياته قد أخذ راحته على الآخر فى وصفٍ عجائبىٍّ (أرجو مسامحتى على استخدامى لهذا المصطلح الذى يتهوَّس به الحداثيون) لِذَكَر بطل الرواية يدل على خيال غير طبيعى. لا بأس أيها القراء، فنحن فى مولد للشذوذ الجنسى. شىء لله يا مولد!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير