تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهذا رجل انهزم هو وأصحابه ثم رجع وحده فقاتل حتى قتل، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يعجب منه، وعجب الله من الشيء على على عظم قدره، وإنه لخروجه عن نظائره يعظم درجته ومنزلته، وهذا يدل على: أن مثل هذا العمل محبوب لله مرضي لايكتفى فيه بمجرد الإباحة والجواز، حتى يقال: وإن جاز مقاتلة الرجل حيث يغلب على ظنه أنه يقتل فترك ذلك أفضل!!

بل الحديث يدل على: أن ما فعله هذا يحبه الله ويرضاه ومعلوم أن مثل هذا الفعل يقتل فيه الرجل كثيرا أو غالبا، وإن كان ذلك لتوبته من الفرار المحرم، فإنه مع هذه التوبة جاهد هذه المجاهدة الحسنة.

قال الله تعالى (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم).

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه "، فمن فتنه الشيطان عن طاعة الله ثم هجر ما نهى الله عنه وجاهد وصبر كان داخلا في هذه الآية.

وقد يكون هذا في شريعتنا عوضا عما أمر به بنو اسرائيل في شريعتهم لما فتنوا بعبادة العجل بقوله: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم).

وقد قال تعالى (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) الى قوله (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم).

وذلك يدل على أن التائب قد يؤمر بجهاد تعرض به نفسه للشهادة.

فإن قيل فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِين).

وقد قالوا: إن ما أمر الله به من مصابرة الضعف في هذه الأية ناسخ لما أمر به قبل ذلك من مصابرة عشرة الأمثال.

قيل: هذا أكثر ما فيه أنه لاتجب المصابرة لما زاد على الضعف، ليس في الآية أن ذلك لايستحب ولايجوز.

وأيضا: فلفظ الآية إنما هو خبر عن النصر مع الصبر، وذلك يتضمن وجوب المصابرة للضعف ولا يتضمن سقوط ذلك عما زاد عن الضعف مطلقا، بل يقتضي أن الحكم فيما زاد على الضعفين بخلافه فيكون أكمل فيه، فإذا كان المؤمنون ظالمين لم تجب عليهم أن يصابروا أكثر من ضعفيهم، وأم إن كانوا هم المظلومين وقتالهم قتال وقع عن أنفسهم فقد تجيب المصابرة كما وجبت عليهم المصابرة يوم أحد ويوم الخندق مع أن العدو كانوا أضعافهم.

وذم الله المنهزمين " يوم أحد " والمعرضين عن الجهاد يوم الخندق، في سورة آل عمران والاحزاب، بما هو ظاهر معروف.

وإذا كان الآية لاتُبقى (أظنها لاتقتضي) وجوب المصابرة (أظنها مصابرة) ما زاد على الضعفين في كل حال، فإنه (لعلها " فلئن ") لايبقى (لاتقتضي) الاستحباب (أو) الجواز مطلقا أولى وأحرى.

فإن قيل: قد قال تعالى (ولاتلقوا بأيدكم إلى التهلكة)، وغذا قاتل الرجل في موضع فغلب على ظنه أنه يقتل، فقد ألقى بيده إلى التهلكه.

قيل: تأويل الآية على هذا غلط.

ولهذا مازال الصحابة والأئمة ينكرون على من يتأول الآية على ذلك كما ذكرنا،: أن رجلا حمل وحده على العدو، فقال الناس: ألقى بيده إلى التهلكه، فقال عمر بن الخطاب: كلا ولكنه ممن قال الله فيهم: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله).

وأيضا فقد روى أبو داود والنسائي والترمذي من حديث يزيد بن أبي حبيب، عالم أهل مصر من التابعين، عن أسلم أبي عمران قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس مه مه لا إله إلا الله يلقي بيديه إلى التهلكة فقال أبو أيوب إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء بالأيدي إلى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير