تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد قال أبو عمران فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية).

وأبو أيوب من أجل السابقين الاولين من الأنصار قدرا، وهو الذي نزل النبي صلى الله عليه وسلم في بيته لما قدم مهاجرا من مكة إلى المدينة، ورهط بنو النجار هم خير دور الأنصار ما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقبره بالقسطنطينية.

وقد أنكر أبو أيوب على من جعل المنغمس في العدو ملقيا بيده إلى التهلكة دون المجاهدين في سبيل الله، ضد ما يتوهمه هؤلاء الذين يحرفون كلام الله عن مواضعه، فإنهم يتأولون الآية على ما فيه ترك الجهاد في سبيل الله.

والآية إنما هي أمر بالجهاد في سبي الله، ونهى عما يصد عنه، والأمر في هذه الآية ظاهر كما قال عمر وأبو أيوب وغيرهما من سلف الأمة، وذلك أن الله قال قبل هذه الآية: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل).

وقوله: (وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين).

إلى قوله: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

فهذه الآيات كلها في الأمر بالجهاد في سبيل الله وإنفاق المال في سبيل الله، فلا تناسب ما يضاد ذلك، من النهي عما يكمل به الجهاد، وإن كان فيه تعريض النفس للشهادة، إذ الموت لا بد منه، وأفضل الموت موت الشهداء.

فإن الأمر بالشيء لا يناسب النهي عن إكماله، ولكن المناسب لذلك النهي عما يضل (لعلها يصد) عنه، والمناسب لذلك: ما ذكر في الآية من النهي عن العدوان، فإن الجهاد فيه البلاء للأعداء، والنفوس قد لاتقف عند حدود الله بل تتبع أهواءها في ذلك، فقال: (ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين).

فنهى عن العدوان، لأن ذلك أمر بالتقوى، والله مع المتقين كماقال (فمن اعتدى عليكم فاعتقدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين).

وإذا كان الله معهم نصرهم وأيدهم على عدوهم، فالأمر بذلك ايسر، كما يحصل مقصود الجهاد به.

وأيضا فإنه في أول الآية قال: (وأنفقوا في سبيل الله)، وفي آخرها (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين).

فدل ذلك على ما رواه أبو أيوب من أن إمساك المال والبخل عن إنفاقه في سبيل الله والاشتغال به هوالتهلكة.

وأيضا: فإن أبا أيوب أخبر بنزول الآية في ذلك، لم يتكلم فيه برأيه، وهذا من ثاني (؟) روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حجة تجب اتباعها.

وأيضا فإن التهلكة والهلاك لا يكون إلا بترك ما أمر الله به، أو فعل ما نهى الله عنه.

فإذا ترك العباد الذي أمروا به، واشتغلوا عنه بما يصدهم عنه، من عمارة الدنيا، هلكوا في دنياهم بالذل، وقهر العدو لهم، واستيلائه على نفوسهم وذراريهم وأموالهم، ورده لهم عن دينهم، وعجزهم حينئذ عن العمل بالدين، بل وعن عمارة الدنيا وفتور هممهم عن الدين، بل وفساد عقائدهم فيه.

قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

إلى غير ذلك من المفاسد الموجودة في كل أمة لاتقاتل عدوها سواء كانت مسلمة أو كافرة.

فإن كل أمة لاتقاتل فإنها تهلك هلاكا عظيما باستيلاء العدو عليها وتسلطه على النفوس والأموال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير