مِنْ النَّارِ».
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 355)، قال: حدثنا حسن بن موسى، وأحمد بن عبد الملك، قالا: حدثنا زهير، قال أحمد بن عبد الملك في حديثه: حدثنا زبيد بن الحارث اليامي، عن محارب بن دثار، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، به.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه (12/ 212)، وأبو عوانة في مسنده (5/ 83)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 76)، جميعهم من طريق عبد الرحمن بن عمرو البجلي، عن زهير بن معاوية، به.
والحديث عند أحمد رجاله رجال الصحيح، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 116)؛ إلا أن قوله في الحديث: «فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا مِنْ النَّارِ» لم تأتِ إلا من هذه الطريق.
فقد رواه الإمام أحمد في مسنده (5/ 359)، قال: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا خلف ـ يعني ابن خليفة، عن أبي جناب، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فَخَرَجَ يَمْشِي إِلَى الْقُبُورِ حَتَّى إِذَا أَتَى إِلَى أَدْنَاهَا جَلَسَ إِلَيْهِ كَأَنَّهُ يُكَلِّمُ إِنْسَانًا جَالِسًا يَبْكِي قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَأْذَنَ لِي فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّ مُحَمَّدٍ فَأَذِنَ لِي، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَأْذَنَ لِي فَأَسْتَغْفِرُ لَهَا فَأَبَى .... ».
والحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ من أجل أبي جناب، وهو يحيى بن أبي حية الكلبي، ضعفه ابن سعد، ويحيى القطان، وابن معين، والدارمي، والعجلي، وكان كثير التدليس. انظر: تهذيب التهذيب، لابن حجر (11/ 177).
ورواه الإمام أحمد في مسنده (5/ 356)، قال: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا أيوب بن جابر، عن سماك، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَدَّانَ قَالَ: مَكَانَكُمْ حَتَّى آتِيَكُمْ، فَانْطَلَقَ ثُمَّ جَاءَنَا وَهُوَ سَقِيمٌ فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُ قَبْرَ أُمِّ مُحَمَّدٍ فَسَأَلْتُ رَبِّي الشَّفَاعَةَ فَمَنَعَنِيهَا .... ».
والحديث بهذا الإسناد ضعيف أيضاً؛ من أجل أيوب بن جابر، فإنه ضعيف كما في التقريب (1/ 89).
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (3/ 29)، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: «لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتى حرم قبر فجلس إليه فجعل كهيئة المخاطب، وجلس الناس حوله، فقام وهو يبكي، فتلقاه عمر وكان من أجرأ الناس عليه فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما الذي أبكاك؟ قال: هذا قبر أمي، سألت ربي الزيارة فأذن لي، وسألته الاستغفار فلم يأذن لي، فذكرتها فذرفت نفسي فبكيت. قال: فلم يُرَ يوماً كان أكثر باكياً منه يومئذ».
قال الألباني في إرواء الغليل (3/ 225): «سنده صحيح على شرط مسلم، إلا الأسدي، وهو ثقة، كما قال ابن معين، وأبو داود وغيرهما».اهـ
قلت: قد توبع الأسدي؛ فرواه أبو زيد النميري في أخبار المدينة (1/ 78)، قال: حدثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، بمثله سواء.
وبهذا يتبين أن قوله في الحديث: «فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا مِنْ النَّارِ» زيادة شاذة لا تثبت في الحديث، ويقوي شذوذها حديث أبي هريرة المخرج في صحيح مسلم؛ فإن فيه ذكر القصة بتمامها دون ذكر هذه الزيادة.
ثانياً: حديث أَبِي رَزِينٍ رضي الله عنه قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيْنَ أُمِّي؟ قَالَ: أُمُّكَ فِي النَّارِ. قَالَ قُلْتُ: فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ؟ قَالَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي».
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 11)، قال: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عُدُس، عن أبي رزين، به.
وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 289)، والطبراني في الكبير (19/ 208)، كلاهما من طريق محمد بن جعفر، به.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (1/ 147)، عن شعبة، به.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 116): «رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات».اهـ
قلت: الحديث رجال إسناده ثقات، غير وكيع بن عُدُس، ويقال: حُدُس، بالحاء بدل العين، أبو مصعب العقيلي، الطائفي، وثقه ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار (1/ 124)، وذكره في الثقات له (5/ 496)، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب (2/ 338): «مقبول»، وأما الحافظ الذهبي فقد اختلفت عبارته فيه، فأشار إلى توثيقه في الكاشف (2/ 350)، وقال في الميزان (7/ 126): «لا يُعرف».
وقال ابن القطان في الوهم والإيهام (3/ 617): «لا تُعرف له حال، ولا يُعرف روى عنه إلا يعلى بن عطاء».
قلت: وهذا الاختلاف في توثيقه يوجب التوقف في روايته إلا أن تأتي من طريق أخرى تقوي روايته.
¥