الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَة. فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْر.
رواه أبو داود والترمذي. قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/ 82): " وإسناده صحيح لثقة رجاله إلا أن صورته أن مرسل فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق، ولا يمكن له شهوده للقصة قال ابن عبد البر بمعناه " اهـ. وقال المزي في في ترجمة قبيصة من تهذيب الكمال: روى عن أبى بكر, مرسل. وقال الألباني في الحديث: ضعيف. وهو كما قالا؛ لإرساله, هذا هو الظاهر. أما قول المخالفين: لعله أخذه من المغيرة بن شعبة. أقول: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب, فهذه احتمالات وتخرصات وظنون, وإن الظن لا يغني من الحق شيئا .. , فأنصفوا مرة أيها القوم تفلحوا.
فأولا: هو حديث ضعيف غير ثابت كما علمت, فلا يصح الاحتجاج به مطلقا.
وثانيا: ومع أن شهادة محمد بن مسلمة لم ترفع الخبر عن كونه آحاداً، إلا أن أبا بكر لم يتردد في قبوله والعمل به. والمخالف لا يقول أصلا بحجية الآحاد المنقول عن اثنين, بل لا يقبل إلا بالمتواتر.
وثالثا: هذا الحديث الذي تحتجون به علينا هو في الأحكام, فهلا قلتم قولتكم الفاسدة في عدم قبول الأخبار إلا المتواتر في الأحكام أيضا. وهذا أشنع ما يلزمهم. فتأمل ما يفعل الهوى بأهله.
ج- أسوق لك ما حدث من عمر رضي الله عنه بحروفه: عن أبي سعيد الخدري قال: كنت جالساً في مجلس من مجالس الأنصار، فجاء أبو موسى فزعاً له، فقالوا: ما أفزعك؟ قال: أمرني عمر أن آتيه فأتيته، فاستأذنت ثلاثاً فلم يُؤذن لي، فرجعت، فقال: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: إني أتيت فسلمت على بابك ثلاثاً فلم تردوا علي، فرجعت، وقد قال رسول الله: "إذا استأذن أحدهم ثلاثاً فلم يُؤذن له فليرجع". قال: لتأتيني على هذا بالبينة. فقالوا: لا يقوم إلا أصغر القوم. فقام أبو سعيد معه فشهد له. فقال عمر لأبي موسى: إني لم أتهمك، ولكنه الحديث عن رسول الله (ص). أخرجه البخاري ومسلم.
وبهذا يتبين أن عمرا لم يرد خبر أبي موسى كما يدعي المدعون. إنما أراد عمر التثبت والاحتياط في الرواية سدا للذريعة، لئلا يفضي ذلك إلى التوسع في الحديث عن رسول الله ممن دخل حديثاً في الإسلام أو لغير ذلك من الأغراض. وهو رضي الله عنه فعل ذلك؛ زجرا للناس وتحذيرا لهم من ألا يتقولوا عليه (ص) , وألا يحدثوا إلا بما حفظوا وتيقنوا من حديثه. وكأن لسان حاله يقول: " هذا أبو موسى الأشعري-وهو من هو أمانة وصدقا وثقة وحفظا- أطالبه بشاهد يشهد على ما يخبر به عن النبي (ص) , فلتزدجروا, ولا تحدثوا عنه إلا بما حفظتم وتيقنتم ". وكأنه رضي الله عنه يطبق المثل الشعبي المصري العامي القائل: (اضرب في المربوط, يخاف السايب). ولذلك قال عمر لأبي موسى: " أما إني لم أتهمك, ولكنه الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
ولم تخرج رواية أبي موسى عن كونها آحاداً حتى بعد أن انضم إليه أبو سعيد إلا أن عمر رضي الله عنه أراد أن يعطي درساً في المحافظة والحرص على سنة النبي (ص).
وأقول أيضا: هذا الحديث الذي تحتجون به علينا هو في الأحكام, فهلا قلتم قولتكم الفاسدة في عدم قبول الأخبار إلا المتواتر في الأحكام أيضا. وهذا أشنع ما يلزمهم. فتأمل ما يفعل الهوى بأهله.
وقد قبل عمر رضي الله عنه أخباراً أخرى هي من قبيل الآحاد، فقد روى رواه أحمد وأبو داود (2927) والترمذي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: " الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا ". حتى قال له الضحاك بن سفيان: كتب إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أوَرِّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها. فرجع إليه عمر ".
وقد قبل رضي الله عنه أخبارا آحادية فيما تعم به البلوى: خبر عبد الرحمن بن عوف في أمر الطاعون كما روى الشيخان.
وروى الشافعي في الرسالة (فقرة 1183) وأحمد- وهو حديث صحيح ثابت بأسانيد صحيحة-: " لم يكن عمر أخذ الجزية, حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي (ص) أخذها من مجوس هجر".
د- ما زعمته السيدة عائشة رضي الله عنها هو الخطأ بعينه- وكل يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم-. وإليك البيان من أحكام الجنائز للألباني-بتصرف-:
¥