هذه العبادة التي فيها من العبر ما فيها
فمن بدايتها إلى نهايتها تحتاج إلى وقفات
فمنذ أن يترك الإنسان أهله ذاهبا ومقتصدا بيت الله الخرام ثم الإحرام ومعانيه وكيف بالمسلم يحلق شعره الذي ربما قد أطاله من زمان كدليل للإنصياع والإستسلام لرب العالمين
ثم ترك المخيط والطيب وما فيه من التواضع الذي لا يكون إلا لله
ثم ذاك المشهد الرائع الذي لا يشبههه إلا مشهد الحشر الجميع في ملبس واحد وقصد واحد وحول بيت واحد ولهم آله واحد وكتابهم واحد ورسولهم واحد وكتابهم واحد وهدفهم واحد
هدفهم الفوز برضا الملك
جاءوا يقولون لبيك ربنا لبيك
وكيف لا وقد منحنا من النعم والفضل ما لا نعده ولا نحصيه
وهنا نرى مع الحجر الأمر العجاب
نطوف بحجر ونقبل حجر ونرجم الحجر بالحجر
فما فضل هذا الحجر على ذاك!!
إنه الأمر الرباني
أنه من قال عنه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء: 23]
ومادام الأمر من الله فعلينا النقياد والتسليم
بل أن اسم العبادة ذاته لنا معه وقفة
اسمها حج
والحج في اللغة القصد
ما الذي تقصده بالطواف حول الحجر او تقبيل الحجر او رجم الحجر بالحجر
الذي نقصده جميعا هو رضا رب الحجر والناس رب الشجر والورق والمطر رب كل شيء ومليكه
ولنا في النحر العجب العجاب
وفيه استعادة لمشهد إبراهيم وإسماعيل
جاءه إبراهيم ليقول له يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين
وهنا قمة الانقياد والاستسلام لرب العالمين
ولكن هذا الخليل قد حُرم الولد طيلة ثمانين عاما
ولما جاءه الولد أمره الله بذبحه
فهل له أن يتراجع مع أن الجميع يعلم غلاوة الابن وأضف إلى ذلك مجيئه بعد الثمانين
ولكن الأمر صدر من رب العالمين
لذا وجب التنفيذ
ثم السعي بين الصفا والمروة
وهو موقف أمنا هاجر وهي تبحث عن الماء لإنقاذ ولدها من الجوع القاتل
فاستنفذت الأسباب وتوكلت على ربها وخالقها فكان الجزاء من رب العالمين
إنه ماء زمزم الذي ما زلنا نشرب منه حتى الآن
ثم الوقوف على جبل عرفة الوقوف والإفاضة من عليها والذنوب قد ذهبت مع غروب يوم عرفة
وما أجملها إفاضة وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نترك عرفات ويعتقد أحدنا أن عليه ذنب
اللهم وقفنا لحج بيتك الحرام اللهم آمين
وبعد هذا الشرح الأصيل لقواعد الإسلام نجد أن السائل يقول للرسول صلى الله عليه وسل صدقت وكأنه يلّوح للصحابة بأنه يعلم هذا ويصدقه ويعتقده وإنما جاءهم فقط ليعلمهم
وهذا ما جعل الصحابة يتعجبون
فهو يسئل ويصدق
ثم ينتقل سيدنا جبريل للسؤال عن مرتبة أعلى من مراتب الدين وهي الإيمان
فيقول له: فأخبرني عن الإيمان فقال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره
فوضح له مفهوم الإيمان وهو الإيمان بالله والملائكة والكتاب والرسل
وهو تصديقا لقوله تعالى في سورة البقرة: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285]
والإيمان هو التصديق الذي يوافقه العمل
ومرتبته أعلى من الأسلام مع التنويه أن هنا خلاف بين العلماء
فمنهم من قال أن الإسلام هو الإيمان واستدل بقوله: فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات: 36,35]
ومنهم من قال بأنهم متغايران واستدل بقوله: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: 14]
والثاني أرجح وهو ما عليه الجمهور من العلماء
والإيمان كما يصفه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم: ما وقر في القلب وصدقه العمل
فمن علم أن الله ربه وأن محمد نبيه وأن الاسلام دينه وأن القرءان كتابه
وجب عليه أن يعمل ويتحرك وينفذ ما عليه من واجبات ويتقي ما أُمر باجتنابه
والإيمان بوابة الإستقامة
¥