وروى البخاري في صحيحه (6477) ومسلم في صحيحه (2988)، واللفظُ لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنّّ العبد ليتكلَّم بالكلمة ما يتبيَّن ما فيها، يهوي بها في النار أبعدَ ما بين المشرق والمغرب)).
وفي آخر حديث وصيّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لمعاذ أخرجه الترمذي (2616) وقال: صلى الله عليه وسلم: ((وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجههم أو على مناخِرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم))، قاله جواباً لقول معاذ رضي الله عنه: ((يانبيَّ الله! وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلَّلم به؟)).
قال الحافظ ابن رجب في شرحه من كتابه جامع العلوم والحكم (2/ 147): ((والمرادُ بحصائد الألسنة: جزاءُ الكلام المحرَّم وعقوباته، فإنَّ الإنسانَّ يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيَّئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيراً مِن قول أو عملٍ حَصَد الكرامة، ومن زرع شراً من قولٍ أو عملٍ حصد غداً الندامة)).
وقال (2/ 146): ((هذا يدلُّ على أنَّ كفُّ اللسان وضبطَه وحبسَه هو أصل الخير كلَّه، وأنَّ مَن ملك لسانه فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه)).
ونقل (2/ 149) عن يونس بن عُبيد أنَّه قال: ((ما رأيت أحداً لسانه منه على بال إلاَّ رأيت ذلك صلاحاً في سائر عمله))، وعن يحي بن أبي كثير أنَّه قال: ((ما صلح منطقُ رجل إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله، ولا فسد منطقُ رجل قطُّ إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله)).
وروى مسلم في صحيحه (2581) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون مَن المُفِلس؟ قالوا: المُفِلس فينا مَن لا دِرهم له ولا متاع، فقال: إنَّ المُفلسَ من امتي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا فيعُطى هذا من حسناته، فإن فنَيتْ حسناتُه قَبْل أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثمَّ طُرح في النار))
وروى مسلم في صحيحه (2564) عن أبي هريرة رضي الله عنه حديثاً طويلاً جاء آخره: ((بحسب امرئٍ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ، دمُه ومالُه وعرضُه)).
وروى البخاري في صحيحه (1739) ومسلم في صحيحه – لفظ البخاري- عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناسَ يوم النحر، فقال: يا أيُّها الناس! أيُّ يوم هذا؟ قالوا: يومٌ حراٌ، وقال: أيُّ بلدٍ هذا؟ قالوا: بلدٌ حرامٌ، قال: فأيُّ شهرٍ هذا؟ قالوا: شهرٌ حرامٌ، قال: فإنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومِكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا, فأعادها مراراً، ثم رفع رأسَه فقال: اللهمَّ هل بلَّغتُ؟ قال ابنُ عباس رضي الله عنهما: فوالذَّي نفسي بيده! غنها لوصيَّتُه إلى أمَّته، فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ، لا تراجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضُكم رقابَ بعض)).
وروى مسلم في صحيحه (2674) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن دعا إلى هُدى كان له مِن الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً, ومَن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)).
قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 65) تعليقاً على حديث ((إذا مات ابنُ آدم انقطع عمله إلاَّ من إحدى ثلاث ..... )) الحديث، قال: ((وناسخ العلم النافع أجره أجر من قرأه أو نَسَخَه أو عمل به من بعد ما بقي خطُّه والعملُ به، لهذا الحديث وأمثاله، وناسخ غير النافع مِمَّا يوجب الإثمَ، عليه وزره ووزر مَن قَرَأَه أو نَسَخَه أو عمل به من بعد ما بقي خطُّه والعملُ به، لِما تقدم من الأحاديث (مَن سنَّ سُنَّةً حسنة أو سيِّئة)، والله أعلم.
وروى البخاري في صحيحه (6502) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله قال: مَن عادَى لِي وَلياًّ فقد آذنتُه بالحرب)) الحديث.
الظنُّ والتجسُّس
قال تعلى: {يَأَيُّها الَّذِينَ ءَامَنُواْ اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُواْ}. ففي هذه الآية الكريمة الأمر باجتناب كثير من الظنَّ, وأنَّ منه إثماً، والنهي عن التجسُّسُ هو التنقيب عن عيوب الناس, وهو إنَّما يحصل تَبَعاً لإساءة الظنَّ.
¥