وقال صلى الله عليه وسلم: ((إيَّاكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا, ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عبادَ الله إخواناً)).رواه البخاري (6064)، ومسلم (2563).
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ((ولا تظنَّنَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلاَّ خيراً، وأنت تجد لها في الخير مَحملاً)). ذكره ابن كثير في تفسير آية سورة الحجرات.
وقال بكر بن عبدالله المزني كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: ((إيَّاك من الكلام ما إن أصيتَ فيه لَم تُؤجَر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظنَّ بأخيك)).
وقال أبو قلابة عبدالله بن زيد الجرمي كما في الحلية لأبي نعيم (2/ 285): إذا بلغك عن أخيك شيء تكره فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعلَّ لأخي عذراً لا أعلمه)).
وقال سفيان بن حسين: ((ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجعي، وقال أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا, قال: فالسنِّد والهند والترك؟ قلت: لا, قال: أفَتسلَم منك الروم والسنِّد والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟!! قال: فلَم أعُد بعدها)). البداية والنهاية لابن كثير (13/ 121).
أقول: ما أحسن هذا الجواب من إياس بن معاوية الذي كان مشهوراً بالذكاء، وهذا الجواب نموذجٌ من ذكائه.
وقال أبو حاتم بن حبان البستي في روضة العقلاء (ص:131): ((الواجبُ على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه، فإنَّ من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنَه ولم يُتعب قلبَه، فكلَّما اطلَّع على عيب نفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإنَّ من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه وتعذَّر عليه ترك عيوب نفسه)).
وقال (ص:133): ((التجسُّس من شعب النفاق، كما أنَّ حسنَ الظنِّ من شعب الإيمان، والعاقل يحسن الظنَّ بإخوانه، وينفرد بغمومه وأحزانه كما أنَّ الجاهلَ يسيء الظنَّ بإخوانه, ولا يُفكر في جناياته وأشجانه)) ,
الرِّفق واللِّين
وصف الله نبَّيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأنَّه على خُلق عظيم، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، ووصفه بالرِّفق واللِّين، فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلبِ لاَ نفَضُّواْ مِّن حَوْلِكَ}، ووصفه بالرحمة والرأفة بالمؤمنين، فقال: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُلٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَريصٌّ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحيِمٌ}.
وأمر الرسولُ صلى الله عليه وسلم بالرِّفق ورغَّب فيه، فقال: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا)). أخرجه البخاري (69) ومسلم (1734) من حديث أنس وأخرجه مسلم (1732) عن أبي موسى، ولفظه. بشِّروا ولا تنفِّروا، ويسِّروا ولا تُعسِّروا)) , وروى البخاري في صحيحه (220) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في قصة الإعرابي الذي بال في المسجد: ((دَعوه، وهريقوا على بوله سَجْلًا من ماء أو ذنوباً من ماء، فإنَّما بُعثتم ميسِّرين ولم تُبعثوا معسِّرين)).
وروى البخاري (6972) عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى قال: ((يا عائشة! إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفقَ في الأمر كلِّه))، ورواه مسلم (2593) بلفظ: ((ياعائشة! إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفق، ويُعطي على الرِّفق ما لا يُعطى على العنف، وما لا مالا يُعطى على ما سواه))، وروى مسلم في صحيحه (2594) عن عائشة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الرِّفق لا يكون في شيء إلاَّ زانه، ولا يُنزع عن شيء إلاَّ شانه)) , وروى مسلم أيضاً (2592) عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن يُحرم الرِّفق يُحرم الخير)).
وقد أمر الله النَّبيَّيْن الكريمين موسى وهارون – عليهما الصلاة والسلام – أن يدعوا فرعون بالرِّفق واللِّين، فقال: {اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.
ووصف الله الصحابةَ الكرام بالتراحم فيما بينهم, فقال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ والَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ}.
¥