وقد كنت سأنقل له كلام شيخ الإسلام في المسألة، إلا أني خشيت أن يكون من غير محبيه فيمقت القول لصاحبه. وإلا فهو خير من بسط القول حولها، وقد حاول صاحب كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم تهذيب ماذكره شيخ الإسلام، فليراجعه من شاء، والمسألة مذكورة في أكثر كتب العقائد والتفاسير.
*ولحسن الظن بأخينا ومحبته لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فإني أنشده أن نتجرد جميعا من معرفة أي دليل له تعلق بالمسألة، ثم النظر إلى حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم، الذين ابتاعوا أنفسهم وأموالهم برضى الله ورسوله، حتى كان قول قائلهم: نحري دون نحرك يارسول الله، صدقا في محبته ومحبة ماجاء به، ثم النظر بعد ذلك إلى كتب الأسانيد من الصحاح والسنن والطبقات والمسانيد، هل فيها نقل صحيح صريح عن أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو ابن مسعود أو ابن عباس أو جابر أو أبو هريرة وغيرهذه الأسماء المهيبة الكريم أصحابها من الصحب الكرام ـ رضي الله عنهم ـ ما يدل لما ذهبت إليه، وأن أحدهم أتى إلى قبره متوسلا سائلا , أو توسل بذاته بعد موته، أو استشفع به في دعائه، لا والذي أخرج الجذع من الجريمة والنار من الجذيمة ماكان هذا منهم قط، ولا أظنه سيكون يوما من محب لاتباع نهجهم عوض، فلا أظن باحثا سيظفر بشئ من هذا ولو بقي في بحثه دهرا كريتا.
ومثلك أخي الكريم لا يجهل بالغ محبتهم واحتفائهم بنبيهم حيا وميتا، وكامل علمهم بكتاب ربهم الذي رروه على أعينهم تبرا، فكانوا أعلم به ممن أتى بعدهم ممن هو مثلي ومثلك. فهلا وسعني ووسعك ما وسعهم، فما نحن أعلم بالهدى منهم، أم أن محبتنا لمحمد صلى الله عليه وسلم تفوق محبتهم والجواب عندك.
ثم انظر إلى عمر رضي الله عنه وكيف أقام العباس يدعوا لهم، قائلا اللهم إنا كنا نتوسل بنبيك وإنا نتوسل بعم نبيك، فكان التوسل بالحي لا بالميت وبالدعاء لا بالداعي، وأظن الملهم الحبر عمر ـ رضي الله عنه ـ لن يغيب عنه لو كان يرى أن ما قلته هو تفسير الآية بأن يأتي إلى قبر النبي مستشفعا سائلا، أو يتوسل بذاته في دعائه، فهلا وسعنا ماوسع عمر.
*فالقائل بمثل هذا القول: يجب أن يحدث نفسه قائلا: ما أناعليه من اعتقاد لمقتضى هذا القول إما أن أكون فيه مخطيئا أو مصيبا، والميزان في فهم مثل هذه المسألة ومعرفة الصواب فيها إنما هو بالنظر إلى فهم الصحابة وتوظيفهم لمفهوم الآية، فهل نقل عنهم مثل هذا العمل، والجواب لن يكون إلا بالنفي أو الإثبات، فإن كان بالإثبات وأسعفك الدليل الصحيح الصريح على أن الصحابة رضي الله عنهم كان هذا فهمهم للآية وتوظيفهم لها في حياتهم فاشدد يدك على ما أنت عليه ولو خالفك الناس أجمعين، واعلم بأنك الجماعة ولوكنت وحدك في الطريق، وإن كان الجواب بالنفي وأن هذا الاعتقاد والعمل بمقتضاه لم يكن من صنيعهم، ولم يكن هذا هو فهم للآية ولا توظيفهم لها في حياتهم، فاستعذ بالله من الهوى، وأن تكون ممن تبعه فغوى، وقل لنفسك ولو زينت لك الأمر، والله لست بخير من صحب محمد، ولا محبتي تعدل محبة أحدهم بله أن تفوقها. فليسعني ما وسعهم فما أنا إلا متتبع غرزهم.
*وظني والله أعلم أن يأتي بمثل هذا القول المنكر ماهو إلا مناد بلسان حاله على جهل الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وأن عنده من العلم مالم يبلغهم ولم يعملوا به، فقلي بربك أي خير يبقى في علم لم يكن من هديهم وعلمهم، فماهو والله إلا الضلال والهوى.
*وعادة المؤمن أن يعلم الدليل ثم يعتقد، لا أن يكون هناك أمر نشأ عليه قد يكون غيره الصواب، حتى إذا تشربه قلبه طلب له الدليل، وأصبح هذا الرأي هو معتقده ينافح عنه بالحق وبالباطل.
ولا يغرنك ـ شرح الله صدري وصدرك للحق ـ كثرة المتبنين لقول من الأقوال فالكثرة ليست المعيار في مثل هذا، وإن نفعت ونفقت في باب المكيال والميزان، فما هذا إلا علم شرعي معياره الدليل الصحيح الصريح.
*ثم اعلم أن المسألة ليست من المسائل التي يؤجر فيها المخطئ على اجتهاده، والمصيب على إصابته واجتهاده، كلا فليست المسألة من هذا الباب.
إنما هي مسألة المصيب فيها واحد والمخطئ مبتدع مأزور غير مأجور لأنها من مسائل الاعتقاد، والأولى من مسائل الاجتهاد والرأي والفقه، ومسألتنا ليس ثم غير الدليل.
¥