فأين ليالينا وأسمارها التي = تُبلُّ بها عند الظماء كبودُ
ليالٍ قضيناها بتونسَ ليتها = تعود وجيش الغاصبين طريد2 - وهذه مقطوعة عنوانها (الوفاء بعهد الصداقة)، وقد قالها الشيخ الخضر عندما سأله بعض الأدباء: كيف كانت صلتكم بالشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تونس؛ فأجابه بهذه الأبيات:
أحببتُه ملءَ الفؤاد وإنما = أحببت من ملأ الودادُ فؤادَهُ
فظفرتُ منه بصاحبٍ إن يدرِ ما = أشكوه جافى ما شكوتُ رقادَه
ودريت منه كما درى مني فتىً = عرف الوفاء نجاده ووهادَه [6] 3 - وهذه مقطوعة عنوانها (برقية الشوق)، قالها الشيخ محمد الخضر أثناء رجوعه من الآستانة إلى تونس سنة 1330 هـ، وقد مرت به الباخرة بالقرب من شاطئ (المرسى) حيث كان يقيم صديقه العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور:
قلبي يحيِّيك إذ مرت سفينتنا = تُجاه واديك والأمواج تلتطم
تحيةً أبرق الشوق الشديد بها = في سلكِ ودٍّ بأقصى الروح ينتظم 4 - وهذه قصيدة عنوانها (تهنئة بالقضاء) قالها وهو في دمشق؛ لتهنئة صديقه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور عند ولايته القضاء بتونس:
بَسَط الهناءُ على القلوب جناحا = فأعاد مسودَّ الحياة صباحا
إيهِ محيا الدهر إنك مؤنسٌ = ما افتر ثغرك باسماً وضَّاحا
وتعُدُّ ما أوحشْتَنا في غابر = خالاً بوجنتِك المضيئة لاحا
لولا سواد الليل ما ابتهج الفتى = إن آنس المصباح والإصباحا
يا طاهر الهمم احتمتْ بك خُطَّةٌ = تبغي هدىً ومروءةً وسماحا
سحبت رداء الفخر واثقة بما = لك من فؤاد يعشق الإصلاحا
ستشد بالحزم الحكيمِ إزارها = والحزم أنفس ما يكون وشاحا
وتذود بالعدل القذى عن حوضها = والعدل أقوى ما يكون سلاحا
في الناس مَنْ ألقى قِلادتها إلى = خَلفٍ فحرَّم ما ابتغى وأباحا
فأدِرْ قضاياها بفكرك إنه = فكرٌ يرد من العويص جماحا
أنسى ولا أنسى إخاءك إذ رمى = صَرْفُ الليالي بالنوى أشباحا
أسلو ولا أسلو علاك ولو أتت = لبنان تهدي نرجساً فياحا
أو لم نكن كالفرقدين تَقَارَنا = والصفو يملأ بيننا أقداحا5 - وهذه مقطوعة قالها الشيخ محمد الخضر حسين في صديقيه العلامة أحمد تيمور باشا، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور، مبيناً عظيم محبته لهما، حيث قالها بعد موت أحمد تيمور، وفي وقت بُعْده عن ابن عاشور:
تقاسم قلبي صاحبان ودِدْتُ لو = تَمَلَّتْهما عيناي طول حياتي
وعلَّلت نفسي بالمنى فإذا النوى = تُعِلُّ الحشا طعناً بغير قناةِ
فأحمد في مصر قضى ومحمد = بتونس لا تحظى به لحظاتي
أعيش وملءُ الصدرِ وحْشَةُ مُتْرَفٍ = رَمَتْهُ يَدُ الأقدارِ في فَلَواتِ [7] 6 - وهذه قصيدة عنوانها (مساعي الورى شتى)، قالها مهنئاً صديقه العلامة ابن عاشور عند ولايته التدريس في جامع الزيتونة بتونس سنة 1323هـ
مساعي الورى شتى وكلٌّ له مرمى = ومسعى ابن عاشورٍ له الأمد الأسمى
فتى آنس الآداب أول نشئه = ِفكانت له رُوحاً وكان لها جسما
وما أدبُ الإنسانِ إلا عوائد = تخط له في لوح إحساسه رسما
فتى شب في مهد النعيم ولم تنل = زخارفه من عزمه المنتضى ثلما [8]
وفي بهجة الدنيا وخضرة عيشها = غرور لباغي المجد إن لم يفق حزما
وشاد على التحقيق صرح علومه = فما اسطاع أعداء النبوغ له هضما
ومن شد بالتفويض لله أزره = ومد شباك الجد صاد بها النجما
وذي خطة التدريس توطئة لأن = نراه وقسطاس الحقوق به يحمى [9]
رجاءٌ كرأي العين عند أولي الحجا = يوافيه كالمعطوف بالفاء لا ثُمَّا [10]
بلونا حُلى الألفاظ في سلك نطقه = فلم يَلْفِ صافي الذوق في عقدها جشما
وفي الناس مهذار تراه يلوكها = بلهجته لوك المسومة اللجما
بِطانةُ صدري صورت من إخائكم = وجاء بنان الخلدِ يرقمها رقما
وإني أرى باب المداجاة ضيقاً = فلا يسعُ النفس التي كَبُرت همَّا
وإن شِمْت في نسج القريض تخاذلاً = وآنست في مغزى فواصله وصْمَا
فزهرة فكري لا تَطيب عُصارةً = إذا نفث الإيحاش فى أضلعي سمَّا
ألم تر أزهار الربى حينَما نأت = أفانينها كان الذبول لها وسما [11]
هذه نبذة يسيرة عن سيرة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور – رحمه الله – ومن أراد المزيد فليرجع إلى الكتب التي ترجمت له، ومنها: كتاب شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر بن عاشور –حياته وآثاره، تأليف د. بلقاسم الغالي.
¥