تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهؤلاء لا هم لهم سوى سرد قصص كرامات مشايخهم ومشعوذيهم، وصناعة الغرائب من ذلك، حتى يغيبوا في تلك الترهات والتخرصات؛ فتضيع أعمارهم فيما يسخط الله تعالى، والأدهى من ذلك والأمر أنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وأنهم بأفعالهم هذه يتقربون إلى الله ..

أما أشياخهم، فإنهم يحذرونهم آناء الليل وأطراف النهار من طلب العلم الشرعي الصحيح، وإن درسوهم أحيانا بعض الكتب الصغيرة، فإنهم يشوهون لهم ما فيها من الحقائق، وما انطوت عليه من أنوار الوحي؛ حتى يظلوا آلة في أيديهم يحركونها كيف شاؤوا ..

ولا شك أن ذلك يدل على أن لهؤلاء المشعوذين قدرا كبيرا من العقل المعيشي؛ فلو وظفتهم الدول كوزراء للاقتصاد لتقدمت اقتصاديات تلك الدول، وارتفع نموها الاقتصادي، وزاد دخل الفرد فيها، كما يزيد دخل الفرد منهم بقدر ما يضلل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وبقدر ما يحجب عنهم من العلوم الشرعية النافعة ..

إن العلم الشرعي الصحيح هو أخطر سلاح على هؤلاء، وهو السيف الصلت الذي يقطع رقابهم، والفارس الشجاع الذي يهزمهم عند بداية اللقاء ..

ولذلك تراهم يخافون منه ويفرون قبل المواجهة؛ فلو أدخل فرد ما صحيح البخاري إلى وكر من أوكارهم، وبدأ يقرأ باب: الصلاة من الإيمان؛ لرأيتهم يشردون لا يلوون على شيء، ولو فتحت صفحة من كتب شيخ من شيوخ الإسلام المشهود لهم بالفضل كمالك، والشافعي، وأحمد، والأوزاعي، وابن تيمية، وابن عبد البر، وابن أبي زيد القيرواني، وغيرهم، لرأيت لهم عويلا وهروبا في كل اتجاه، ولشاهدتهم يستعملون كل ما عندهم من ذكاء وخبرة في الدهاء والمكر من أجل شبهة يضعونها أمام ما تحويه تلك الصفحة النقية البيضاء، ولكن الله لهم بالمرصاد، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.

أما الطائفة الرابعة: فهم قوم تعلموا الدين من أصوله الصحيحة، وعملوا بما علموا منه، وترحموا على علماء الأمة، وأحبوهم في الله، ووالوهم فيه، ولم يعمهم حبهم لهم عن أخطائهم في الاجتهادات، كما لم تعمهم أخطاؤهم عن محاسنهم الكثيرة؛ فلم يجعلوهم معصومين، ولم يسووا بين أقوالهم وبين الوحي، وجعلوا الوحي هو الحاكم على كل ذلك، وكلام المعصوم هو الميزان الذي يتضح به الحق من الباطل ..

وحفظ الله الدين بهذه الطائفة على قلتها، وتفرقها في أصقاع الأرض الكثيرة وذلك مصداق قول المعصوم صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة).

فنسأل الله العلي القدير أن يجعلنا ووالدينا ومشايخنا وإخواننا وأحبابنا من هذه الطائفة المنصورة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله تعالى أعلم وأحكم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير