تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا بأس من نقله هنا ثم تعليق شيخنا عليه:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

جاء في الجزء الأول من "نيل الأوطار"، في مقدمة محققه "محمد صبحي بن حسن حلاق"، في الفصل المخصص لوصف المخطوطات، في معرض وصفه للمخطوط أ، في الصفحة 71 ما يلي:

"3_ آخر المخطوط: وكان الفراغ في نهار الخميس في اليوم السابع والعشرين من أيام شهر الحجة (1). سنة إحدى عشر ومائة وألف من الهجرة النبوية. على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وكان التأليف بمحروس مدينة صنعاء المحمية بالله."وبعدها بأسطر في الصفحة ذاتها مايلي:

"11_ اسم الناسخ: المؤلف رحمه الله/محمد بن علي الشوكاني/."ومما كان معلوما لدي أن الشوكاني وُلِد سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف هجرية (1173 هـ)، وأنه توفي سنة خمسين ومائتين وألف (1250 هـ). أما ما جاء في الفقرة المذكورة أعلاه، فإن مفاده أن عمر الشوكاني 150 سنة على أدنى تقدير!

لكنني اتهمت عقلي، فراجعت مظان ترجمته لأمحص ما قد يكون التبس عليّ، فاكتشفت أنني ظلمت ... ذاكرتي البريئة!

ثم تذكرت أن الأستاذ " ابن حلاق" مِن ألصقِ الناس بتراث الشوكاني وأكثرهم معايشة له، حتى إنه ليكاد يحتكره. كما أنه أخرج "نيل الأوطار في 16 مجلدا .. فلا يعقل أن يرتكب ذاك الخطأ من قام بهذا الجهد الجبَّار! فقلت في نفسي: لعل الرجل بصر بما لم يبصر به غيره، أو لعله قبض قبضة من أثر الشوكاني، أو لعل نفسه سوَّلت له ذلك فقط .. ولقطع الشك باليقين، رجعت إلى الترجمة التي خصصها "المحقق" للشوكاني في المقدمة نفسها من الكتاب نفسه، وإذا بعيني تقع على التالي:

"يذكر الشوكاني في ترجمته لنفسه تاريخَ مولده، نقلاً عن خطِّ والدِه فيقول: "ولد – حسبما وَجَد بخط والده – وسط نهار يوم الاثنين، الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة سنة (1173 هـ)، ثلاث وسبعين ومائة وألف" ولا مجالَ للاختلاف في تاريخ مولده بعد هذا النص منه ومن والده." (نيل الأوطار، 1/ 28)!!!

وعندئذ، خاب ظني ... إذ لم أظفر بالمفاجأة المرجوَّة، وضاع مني اكتشافٌ كان من شأنه أن يقلب وجه تاريخ اليمن وتاريخي أيضا! فالشوكاني الذي أعرفه هو الذي يعرفه "ابن حلاق"، فيما يتعلق بتاريخ ولادته على أقل تقدير.

ولكن، ما قصة هذا المخطوط الذي فرغ منه الشوكاني سنة 1111 هـ؟ أيُعقل أن يكون فعل ذلك، ثم غاب في "السرداب"، سرداب سني طبعا، ثم وُلِد من جديد سنة 1173 هـ، ونسي ما سطرته يده في "الحياة السابقة"، فأعاد كتابة "نيل الأوطار" وأتمه بعد عام 1209 هـ، كما أشار المحقق إلى ذلك (1/ 10)؟! (2)

ممكن! فاليمن السعيد لا يفتأ يأتينا بالعجائب .. أليست ريح تلك البلاد هي التي كلَّمت الحمام لتغريه بالزيارة، كما روى ذلك شوقي؟ أم أن شوقي غير حافظ؟!

وبينما أنا أهيم في مهمه "مقدمة ابن حلاق"، وهو مهمه "لا نَدٍ ولا حسَن"، إذ بعيني تقع – مرة ثانية! – على صور لبعض الأوراق من المخطوطات التي اعتمد عليها "المحقق". وهنا ازدادت دروب التيه اشتباكا، وازددتُ معها حيرة وارتباكا. فالرجل أدرجها في مقدمته إدراج الواثق، وهذا شأن الموثِّق الصادق!

ولما كاد اليأس يقهرني، وكدت أصرف النظر عن الموضوع، إذا بعيني تقع -من جديد- على الصفحة 75، فلم ألتقطها وأبقيتها لصيقة بما التقطَتْه؛ بل وتخازرت لعلي أظفر بالمراد. وبعد هنيهة، عادت إليَّ العين رمشاء ترتعش، ونبأتني أن في الصفحة صورة عن إحدى ورقات المخطوط، كُتِبَ تحتها: [الصفحة الأخيرة من المجلد الأول]، وأنها قرأت فيها ما يلي:

"بقلم جامعه السائل لمغفرة الملك الغفار محمد بن علي بن محمد الشوكاني لطف الله به حامدا الله ومصليا على رسوله وآله وصحبه راجيا من المتطول بالإعانة على البعض أن يعين على البقية وكان البلوغ إلى هذه الغاية في يوم عاشوراء من شهر المحرم سنة ثمان ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام." (مقدمة المحقق، 1/ 75)

وهنا ذهبت بي الحيرة كل مذهب، وكأني إزاء لغز هو من الغيب الأغيب .. أيُعقل أن يكون الشوكاني فرغ من المجلد الثاني والأخير سنة 1111 هـ، ثم تذكر أنه لم ينجز المجلد الأول، فخرج سنة 1175 هـ من سردابه، وظل يكتب مجلد "النيل" الأول إلى غاية عام 1208 هـ؟!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير