في حديث عائشة أنه نهي عن قتل حيات البيوت دون الإنذار إلا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يقتلان في البيوت دون إنذار كما يقتل حيات الصحارى دون إنذار ويحتمل أن يكون خص ذلك ذا الطفيتين والأبتر؛ لأن من كان من مؤمني الجن لا يتصور في صورهن لأذاهن بنفس الرؤية لهن وإنما يتصور مؤمنو الجن في صورة من لا تضر رؤيته، فقوله في حديث عائشة نهي عن قتل جنان البيوت فإنها تتمثل في صورة حية. اهـ
وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 302): وقال ابن وهب الجنان عوامر البيوت يتمثل حية.
وفي التمهيد لابن عبد البر (16/ 19): قال ابن وهب عوامر البيوت تتمثل في صفة حية رقيقة في البيوت .. ففيها جاء النهي عن قتلها حتى تنذر قال وأما التي في الصحاري فلا. اهـ
وقال ابن حجر في فتح الباري (6/ 349): وزعم الداودي أن الجن لا تتمثل بذي الطفيتين والأبتر فلذلك أذن في قتلهما - قال ابن حجر - أن كان الاستثناء متصلا ففيه تعقب على من زعم أن ذا الطفيتين والأبتر ليس من الجنان ويحتمل أن يكون منقطعا أي لكن كل ذي طفيتين فاقتلوه. اهـ
وقال بدر الدين العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (23/ 83): وإنما أمر بقتلها لأن الجن لا تتمثل بها ولهذا أدخل البخاري حديث ابن عمر في الباب ونهى عن قتل ذوات البيوت لأن الجن تتمثل بها.
وفي حاشية السندي على صحيح البخاري (2/ 94) قال: (العوامر) سميت بذلك لطول عمرها وإنما نهى عن قتلها لأن الجن تتمثل بها، ومن ثم أمر بقتل غيرها لأن الجن لا تتمثل به. اهـ
فالآن أنت مطالب بنقل عن عالم ثقة يقول صراحة أن حديث أبي سعيد في مسلم لا يراد به الجن، وأن الجن لا يتمثل في الحية .. أنا في انتظارك أخي الحبيب.
المسألة الثانية الشيطان في بدر
أما عن موضوع الشيطان في بدر ومن قبله الشيطان في صورة رجل من نجد ..
فهما قصتان أحدهما لم تثبت وقد قلت لك ذلك بلفظ (إن صح الخبر) والثانية ثابتة صحيحة ..
ولا أدري ما وجه قولك: القرآن يقول (زين) ولم يقل تشكل؟ ثم قولك: القصص أخي الكريم ليست أدلة شرعية ونحن نريد نصوصا صحيحة صريحة غير محتملة فالدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال .. اهـ
فأولا قولك: أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال ..
فهذه القاعدة إذا أخذت على إطلاقها بلا ضوابط فستجر بصاحبها إلى الزندقة، وهذا أصل من أصول أهل البدع والضلال .. ولو سلمنا للمعترض إطلاق هذه القاعدة: لبطلت الأدلة الشرعية كافة، لتطرق الاحتمالات إليها إما في أصلها أو في تأويلها ومعناها أو في ثبوتها صحة وضعفاً، وعند ذلك يفسد الدين، وتسقط الشعائر والشرائع ..
والتصحيح لهذه القاعدة يكون ببيان الاحتمالات الواردة على الأدلة وهي ثلاثة أنواع قالها الراجحي وغيره وهي: (1) احتمال وهمي مرجوح: فهذا لا اعتبار به ولا تأثير له (2) احتمال راجح: فهذا يجب المصير إليه والتعويل عليه (3) احتمال مساوٍ: وهذا الذي يسقط الاستدلال بالدليل على أحد الاحتمالين المتساويين دون مرجح يرجح أحدهما على الآخر.
وهذا الاحتمال المساوي: هو الذي أراده الأئمة، أنه يسقط الاستدلال.
فللعمل بهذه القاعدة: يشترط في رد الدليل بالاحتمال أن يكون الاحتمال قويا ..
فلو قلت: وقائع الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال لكان أفضل من قولك: والدليل إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال .. لأن إطلاق هذه القاعدة فيه ما فيه ..
فهذه القاعدة تطبق فيما أشكل في النص الواحد واحتمل عدة معان غير مراده من ظاهر النص، أما إذا كان النص صحيحا في نفسه واضحا في ألفاظه ومعانيه فلا وجود لتلك القاعدة ولا كرامة.
فلا إشكال في استخدام هذه القاعدة في موطن الحاجة إليها فقد استخدمها كبار الفقهاء والعلماء، ولكن لما تستخدم لرد النص أصلا فهذا هو الباطل بعينه ..
وأنت تطبق هذه القاعدة على القصص الصحيحة الواردة في كتب السنة وليس لها معارض؟
قصة الشيطان:
¥