وفي صحيح مسلم [426 والنسائي 1363] من حديث أنس قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا - ثم قال- والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً .. قلنا ما رأيت يا رسول الله؟ قال رأيت الجنة والنار.
والأحاديث في هذا كثيرة مشهورة جمعها ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم وابن القيم في حادي الأرواح وغيرهما ..
6 - وأنهما تتكلمان وتتحاجان
صح في الحديث أن النار تكلمت واشتكت إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضا. كما سيأتي بتمامه ..
وفي الصحيحين [البخاري 4850 ومسلم 2846] من حديث أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم؟ قال الله تعالى للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها .. فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله رجله فتقول قط قط قط .. فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا .. وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا.
7 - وأن الله خلق لكل منهما أهلاً
كما في صحيح مسلم [2662] عن عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم:
يا عائشة إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلاً وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم.
[ورواه أبو داود 4701 وابن ماجة 82 والنسائي 1946]
وهذا الحديث مجمل بينه الحديث الصحيح الذي فيه أن أهل الجنة وأهل النار معلومين بأسمائهم وأسماء آبائهم وأسماء قبائلهم وأنهم مكتوبين في كتاب من عند رب العالمين، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الكتابين كما رآهما بعض أصحابه رضي الله عنهم أجمعين ..
ففي المسند من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا ..
فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين تبارك وتعالى بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، ثم قال للذي في يساره: هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً ..
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلأي شيء إذاً نعمل إن كان أمراً قد فرغ منه؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار ليختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل، ثم قال بيده فقبضها ثم قال: فرغ ربكم عز وجل من العباد ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال: فريق في الجنة، ونبذ باليسرى فقال: فريق في السعير.
[رواه أحمد في المسند وصححه شاكر 6/ 132 رقم 6563 وصحيح الترمذى2/ 255 رقم1740 وقال الشيخ أحمد شاكر في شرحه: ظاهر الحديث أنهما كتابان حسيان حقيقيان وهما من عالم الغيب الذي أمرنا أن نؤمن به إيماناً وتسليماً. وراجع كذلك تحفة الأحوذي 6/ 296 للمباركفوري]
8 - وأن لكل واحد منزل في الجنة وآخر في النار
كما روى ابن ماجة عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما منكم من أحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى: أولئك هم الوارثون.
[رواه ابن ماجة4341 وابن أبي حاتم كما عند ابن كثير وصححه الألباني في الصحيحة 2279]
ومعنى الحديث كما هو ظاهر: أن الله كتب لكل واحد من أهل الدنيا منزلان أحدهما في الجنة لو عمل الصالحات، والآخر في النار لو عمل السيئات ..
فإذا دخل رجل الجنة بقي له بيت في النار فيرثه الكافر .. وإذا دخل رجل النار بقي له بيت في الجنة فيرثه المؤمن .. والعلم عند الله ..
فإن قيل:
لماذا يخلق الله له منزلان وفي علم الله أنه سيكون في الجنة أو في النار؟
¥