فالجواب والله أعلم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغنا في حديث سيأتي في بعض صور نعيم أهل الجنة، أن المؤمن وهو في الجنة سيرى مكانه في النار لو عمل السيئات فيزداد شكراً على نعمة الله وعلى نجاته من النار ..
وأن الضال سيرى مكانه في الجنة لو كان عمل الصالحات فيزداد حسرة على عذابه .. وفي هذين الصورتين زيادة فرح وسرور أهل الجنة وزيادة عذاب وحسرة أهل النار .. نسأل الله العافية.
9 - وأنه حف الجنة بالمكاره وحف النار بالشهوات
في الصحيحين [البخاري 6487 ومسلم 2823] من حديث أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره.
وفي رواية مسلم: حفت بدل حجبت.
يقول ابن حجر: وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس والحض على الطاعات وان كرهتها النفوس وشق عليها.
10 - وجعل للنار نفسين في الصيف والشتاء
كما في الصحيحين [البخاري 3087 ومسلم 615، 617] من حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير.
وفي رواية للبخاري: فأشد ما تجدون من الحر فمن سمومها وأشد ما تجدون من البرد فمن زمهريرها.
وأن الجنة يشتم رائحتها أهل الإيمان والجهاد ..
كما في مسند أحمد [2/ 194] وسنن الترمذي [3200] والنسائي [كبرى 8291] بسند صحيح عن أنس قال: غاب عمى أنس بن النضر عن قتال بدر فلما قدم قال: غبت عن أول قتال قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشركين، لئن أشهدني الله قتالا ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف الناس فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعنى المشركين وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعنى المسلمين ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال: أي سعد والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد واها لريح الجنة قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس: فوجدناه بين القتلى، به بضع وثمانون من بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم قد مثلوا به فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه قال أنس: فكنا نقول: أنزلت هذه الآية (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب-23] أنها فيه وفى أصحابه.
لأن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف كما في مسند أحمد [4/ 396] وصحيح مسلم [1902] من حديث أبي موسى مرفوعا: إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف.
فيالها من نعمة يستحقها أهلها ..
11 - وأنهما خالدتان لا تفنيان
خلود الجنة مما أجمع عليه العلماء من أهل السنة والجماعة ..
وخلود النار كذلك أيضاً لولا قول من قال – كما نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم - بفنائها وخرابها وخروج أهلها ..
قال الأمير الصنعاني في كتابه الماتع رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (1/ 63) عن هذه المسألة الكبيرة والخطيرة:
واستوفى المقال فيها العلامة ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى ديار الأفراح نقلا عن شيخه العلامة شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية فإنه حامل لوائها ومشيد بنائها وحاشد خيل الأدلة منها ورجلها ودقها وجلها وكثيرها وقليلها وأقر كلامه تلميذه ابن القيم وقال في آخرها إنها مسألة أكبر من الدنيا وما فيها بأضعاف مضاعفة هذا كلامه في آخر المسألة في حادي الأرواح وإن كان في الهدي النبوي أشار إشارة محتملة لخلاف ذلك .. اهـ
فالبعض يرى أن موقف ابن تيمية وابن القيم غير واضح في هذه المسألة، ومنهم من قال أنهما كانا يميلان أولا لهذا القول ..
والحقيقة التي تنتج بالاستقراء لمؤلفاتهما أنهما ليسا بأصحاب هذا القول، وإن كانت هناك بعض النصوص في كلامهما وتقريراتهما تدل على ذلك، إلا أن المبهم منها يرد للواضح فيزول الإشكال. وليس ها هنا محل بسط ذلك ..
وحقيقة: أن من يرى أسلوب ابن القيم في الحجاج والتقرير وتوجيه الأدلة في كتابه حادي الأرواح وغيره ن يكاد أن يميل للقول بهذه المسألة ..
¥