تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقال: لعل الأمر يكون كذلك، ثم استمرت تلك العلاقة، وتَمَّ الزواج، وصار يتصل بين الفينة والأخرى، ويخبر عن زيادة المودة بينه وبين والده.

3_ وأذكر أن صديقاً كان لوالده زوجتان: أمه وكانت الزوجة الأولى، وأخرى، وكان ذلك الصديق أكبر إخوانه، وكان يشكو كثيراً من برود العلاقة بينه وبين زوجة والده، وإخوانه لأبيه، ويروي قصصاً من هذا القبيل منها جفاء إخوانه لأبيه، وقلة اعتداد زوجة أبيه به، إضافة إلى ما بين أمه وزوجة أبيه من الغيرة، وما ينتج عن ذلك من تكدر والده، وأثر ذلك على الأسرة عموماً.

فقلت له: لا تثريب عليك في بر أمك، ولا تثريب على أمك في غيرتها ما لم تتجاوز الحد.

أما أنت فلا يحسن بك إلا أن تلطف الأجواء، فأنت أكبر إخوتك، والمنزل يحتاج إلى حكمتك، وإضفاءِ جوٍّ من السكينة عليه.

فقال: كيف ذلك والعلاقة بيننا بهذه الدرجة من الفتور؟

فقلت له: [إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ].

فقال: وماذا أصنع؟ قلت له: بإمكانك أن تغير نظرتك، ومعاملتك لزوجة أبيك؛ فهي أم إخوانك، وعِزُّ إخوانك عِزٌّ لك، وبرك بها بر بأبيك؛ فإن أبر البر صلة المرء أهلَ ودِّ أبيه، وهي من أهل ود أبيك، كما أنها جارة لكم في المنزل.

ثم إن ذلك سبب في بقاء كيان الأسرة متماسكاً، وإخوانك محتاجون لك، وأنت محتاج إليهم.

وإذا كانت العلاقة فاترة فستكون العاقبة وبيلة عليكم جميعاً، سواء في حياة والدك، أو فراقه الدنيا، بل ربما زادت المشكلات تعقيداً.

وقلت له: إن هناك من الناس من يعامل زوجة أبيه وكأنها أمه، وهي تعامله وكأنه واحد من أبنائها، والتوتر الذي يوجد عند كثير من الناس في هذا الصدد إنما هو بسبب ضيق العطن، وقلة الصبر، وضعف القدرة على التوازن، وإعطاءِ كل ذي حق حقه، وقلة التدبرِ والنظرِ في عواقب الأمور.

وقلت له: إذا اقتنعت بذلك فلا يلزم أن تَطَّلعَ والدتك على كل صغيرة وكبيرة من ذلك.

اقتنع صاحبي بما قيل، وكان ذا سخاء، وطبعٍ كريم، وبرِّ بوالديه، وصلةٍ لأرحامه.

وقال: لم تخطر أكثر هذه المعاني في بالي من قبل.

وبعد انقطاع عنه قابلته، وأخذنا بأطراف الأحاديث، وكان منها حديث عن المسألة التي نحن بصددها، فقال: الحمد لله، لقد أصبحت علاقتنا على خير ما يرام، وبدأنا نشعر جميعاً بالراحة، والطمأنينة أنا وإخوتي ووالدي، وزوجته.

فقلت له: وكيف كان ذلك؟ فقال: لقد كنت في السابق جافياً، وكنت لا أدخل منزل أبي الثاني إلا نادراً، ولا آتي بشيء معي؛ فلما كان أحد الأيام _وهو يوم جمعة_ ذهبت إليهم، وسلمت عليهم، وحملت معي بعض الهدايا، ومن ضمنها شاة ذبحتها وقدمتها إليهم.

وصرت في كل جمعة آتي إليهم، وأسلم على زوجة أبي وإخوتي وأخواتي وأقول لهم: كل ما تحتاجونه فأخبروني، وصرت أرعاهم في مسألة ترفيههم، والخروج بهم من المنزل إلى استراحة لي، إلى غير ذلك مما هو داخل في هذا القبيل.

وبعد ذلك تغيرت نفوسهم نحوي؛ فصاروا يقابلونني بالبشر، والترحاب، والفرح، حتى إنني في يوم من الأيام دخلت منزل أبي الثاني فاستقبلتني زوجة أبي؛ فلما سلمت عليها أكَبَّت على يدي تريد تقبيلها، فنزعت يدي بسرعة، وبادرت إلى تقبيل يدها، وقلت: أنتِ صاحبة الحق، وأنت والدتي الثانية، وحقك كبير، والتقصير كثير؛ فأجهشت بالبكاء، وصارت تدعو لي دعاءً ألمس فيه الإخلاص والصدق؛ فزال عني ذلك التوتر، وصار بيتنا يشع بالحب، والسرور، وكنت أراعي ألا تعلم والدتي بكل ما يحصل؛ حتى أحافظ على مشاعرها، وإن كانت لا تمانع من ذلك.

وكان أحد إخوتي لأبي إذا رآني في السابق يشيح بوجهه عني؛ فصار يتلقاني، وينظر إلي من بُعْدٍ، ويستقبلني بطلاقة وفرح.

بل إن أثر ذلك عاد على والدي، حيث هدأت نفسه، وارتاح كثيراً مما يقلقه خصوصاً وأنه مصاب بعدد من الأمراض.

بل إن والدتي نالها نصيب من ذلك الخير، حيث صار والدي يتحنن عليها أكثر من ذي قبل؛ إذ قلَّ عتابه، وكثر حَدَبُه وبره بها.

ولا يكاد يمر يوم أو بعض يوم إلا ويكون بيني وبين زوجة أبي أو أحد إخواني لأبي اتصال، أو مكالمة، أو مشاورة.

وبعد ذلك صار ذلك الصاحب يذكر لي ما يستجد من تلك العلاقة التي صارت تزيد مع مرور الأيام وثاقة.

فهذه الحادثة والتي قبلها، وأمثالها كثير جداً _ تؤكد أن الحل _غالباً_ بيد الإنسان نفسه متى أراد ذلك _بعد توفيق الله_ وأن جزءاً كبيراً من المشكلة يكمن في الإنسان الذي يعرضها لا في غيره من أطرافها.

كما أن هذه الحوادث وأمثالَها تبيِّن أن الحل قريبٌ التناول في كثير من الأحيان خصوصاً إذا وجدت الرغبة في ذلك، وأن المشكلة إذا جاءت من طرف واحد، وأمكن حلها من طريقة فإن ذلك من أنجع الطرق.

أما تشعيب الأمور، وتخدير السائل، وتحميل الطرف الآخر المسؤولية دون اللقاء به _ فذلك قد لا يجدي نفعاً، ولا يطفئ لوعة، وإذا أتتك معضلة فاجعل جوابها منها، وترحَّم على الإمام أبي حنيفة لإطلاقه تلك المقولة الحكيمة. [/ align]

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير