وفي دراستي للتاريخ، أعرف دَيْن الحضارة إلى الإسلام. فكان الإسلام- في محافل مثل جامعة الأزهر- حاملا لمصباح العلم على مر قرون عديدة، ممهدا بذلك الطريق أمام الحضارة والتنوير في أوروبا، وكان الاختراع في الدول المسلمة الذي أسفر عن علم الجبر، والبوصلة المغناطيسية وأدوات الملاحة وحرفة الأقلام والطباعة، ومعرفة كيفية انتشار الأمراض وعلاجها. فقد منحتنا الحضارة الإسلامية قناطر عظيمة وقمم شاهقة، وشعرا خالدا وموسيقى ناعمة وخطا راقيا وأماكن للتأمل الهادئ.
كما أعرف أن الإسلام كان دائما جزءا من التاريخ الأمريكي، فأول دولة تعترف ببلدي هي المغرب. وفي توقيع معاهدة طرابلس عام 1796، كتب رئيسنا الثاني جون آدامس قائلا: "ليس في طبيعة الولايات المتحدة العداء لقوانين وديانة وسلام المسلمين" قد أثرى المسلمون الأمريكان بلدنا منذ تأسيسها، فقد اشتركوا معنا في حروبنا، وخدموا في حكومتنا، ونادوا بحقوق الإنسان، وبدءوا أعمالهم التجارية، ودرسوا في جامعاتنا، وامتازوا في مجالاتنا الرياضية، وفازوا بجائزة نوبل، و شيدوا أطول الأبنية وأشعلوا مشعل الألعاب الأوليمبية. وعندما تم انتخاب أول عضو مسلم أمريكي في الكونجرس، فقد حلف اليمين- للدفاع عن دستورنا- على القرآن الذي احتفظ به أحد آبائنا المؤسسين في مكتبته الخاصة.
ومن ثم فقد عرفت الإسلام في ثلاث قارات قبل أن آتي إلى المنطقة التي بدأ وحيه فيها. وهذه التجربة تقود يقيني إلى أن الشراكة بين الإسلام وأمريكا لابد أن تقوم على حقيقة الإسلام، ليس إلا. وأعتبر من مسؤولياتي كرئيس للولايات المتحدة مناهضة الأنماط السلبية للإسلام حيثما تتبدى.
لكن لزاما أن ينطبق نفس المبدأ على مفاهيم المسلمين نحو أمريكا، فمثلما أن المسلمين ليسوا نمطا فجا، فإن أمريكا ليست نمطا فجا للإمبراطورية الأنانية. فالولايات المتحدة واحدة من أعظم مصادر التقدم التي عرفها العالم، فنحن أبناء ثورة ضد أحد الإمبراطوريات، ونشأنا على أساس المساواة بين الخلق، وقد سفكنا الدماء و كافحنا على مر القرون لنمنح هذه الكلمات معناها، داخل بلادنا وفي أرجاء العالم. قد تشكلنا بكل حضارة، وتجاذبنا من كل أطراف المعمورة وكرسنا أنفسنا لمفهوم بسيط، ألا وهو: (من الجميع، كيان واحد).
وقد تأكد الكثير من حقيقة أن أمريكي من أصل أفريقي يسمى بارك حسين أوباما تم انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، إلا أن قصتي الشخصية ليست فريدة من نوعها، فلم تتحقق أحلام الكثير في أمريكا بأن تواتيهم الفرصة، إلا أنها متوفرة بحق لكل من يأتي إلى بلادنا، وهذا يشمل حوالي 7 ملايين مسلم في بلادنا اليوم، وهم ينعمون بالدخول والتعليم بدرجة أعلى من المستوى العادي.
علاوة إلى ذلك، الحرية في أمريكا لا تنفصل عن حرية الممارسة الدينية. ولهذا يوجد مسجد في كل ولاية من اتحادنا، وما يربوا على 1200 مسجد داخل حدودنا. ولهذا لجأت الحكومة الأمريكية إلى القضاء لحماية حق النساء والبنات المسلمات في ارتداء الحجاب، وعقاب من ينكر هذا الحق.
ومن ثم، فلا يساوركم الشك بأن الإسلام جزء من أمريكا وأعتقد أن أمريكا تحمل في قلبها- بغض النظر عن العرق والدين ووضع الحياة- تحمل الحقيقة بأننا جميعا نتقاسم آمالا مشتركة، وهي أن نحيا في سلام وأمان، وأن نحظى بالتعليم وأن نعمل بكرامة وأن نحب أسرنا وجالياتنا وربنا. إننا نتقاسم هذه الأمور وهذا هو أمل البشرية كلها.
ومن الطبيعي أن يكون اعترافنا ببشريتنا المشتركة مجرد بداية لمهمتنا. فالكلمات وحدها لا تفي بحاجات شعوبنا، ولا تتحقق هذه الحاجات إلا إذا عملنا بشجاعة في السنوات القادمة، وإذا ما وعينا أننا نتقاسم نفس التحديات، فإن فشلنا في مواجهتها سوف نتأذى جميعا.
وقد تعلمنا من التجربة الراهنة أنه إذا وهن النظام الاقتصادي في دولة ما، فإن الرفاهية تقاسي في كل مكان. وعندما يصاب فرد ما بالأنفلونزا، يهدد الخطر الجميع. وعندما تسعى دولة ما إلى اقتناء الأسلحة النووية، فإن تهديد الهجوم النووي يصيب كل الأمم. وعندما يمارس الإرهابيون العنيفون عملهم في منطقة جبلية ما، فإن الخطر يمتد إلى من يعيش عبر المحيط. وعندما يقتل الأبرياء في البوسنة ودارفور، فإن ذلك وصمة على ضميرنا جميعا.
¥