ولكن لما رأيتك معجب ببحثك، منبهر به انبهارا شديدا، ورأيت نفسك مقدما على من خالفك من العلماء الكبار من جمهور أهل السنة، بل وجدت نفسك أنك اقوي ممن ذكر هذه المسألة ودافع عنها ونصرها من أئمة المعتزلة كالقاضي عبد الجبار والزمخشري، أو من تتبع عوارهم كالرازي الأشعري أو كثير ممن يحكم عقله في النصوص ويقدمه عليها ..
أقول: لما رأيت الأمر على هذه الصورة، حملت من الواجب الشرعي في تبيين ونصرة مذهب الحق الذي سار على نهجه أئمة أهل السنة قديما وحديثا ..
وبادئ ذي بدء:
أدعوك إلى إفساح صدرك إن كنت تريد الحق وتبتغي طريقه، وأن تتحمل ما قد تتهم به نتيجة لاعمالك عقلك في بحثك هذا، فإني وإن كنت أرى منك خلقا سمحا فيما بيني وبينك، إلا أن موقف الدفاع عن الحق وأهله ليس فيه تبعة من ملام ..
وقبل أن أبدأ معك - بإذن الله – أود أن أطرح بين يديك تساؤلا:
هل مناقشة موضوع عقدي شرعي بهذه الصورة، يتم دون الاعتماد على السنة وهي ثاني الأدلة الشرعية المتفق عليها كما أنها مبينة القرآن ومفصلة لمجمله وشارحة لمشكله؟
أما ثانيا: فاعلم أن الهجوم على أهل البدع وتفشي الخرافات بين الناس لا يجعلك تنكر ما اتفق عليه جمهور أهل السنة في القديم والحديث من خلال أدلة شرعية واضحة ..
فمحاولة تفشي الظاهرة التي لها أصل شرعي لا تكون ببترها وإنما بعلاجها حسب الأصول العلمية، ولا يجرمنك وضع الناس لها في قوالب البدعة والخرافة، إن عليك إلا البيان والنصح لتأخذ بيد الناس إلى الحق لا أن تهدم أركانه ..
فإذا علمت هذا، وأخذته بصدر رحب كما عودتنا بحلمك فلنبدأ مناقشة الموضوع:
قلت في التمهيد: [حتى طاشت في الناس فكرة عجيبة غريبة قصارى ما تؤديه بيان أن ثَمّ تسلطا من نوع غريب للجن على الإنسان حيث يتمكن من النفاذ إلى أعماقه الداخلية ويستطيع بعد ذلك أن يتحكم فيه ويصده عن سبيل الله تعالى.
طاشت هذه الفكرة القديمة بين الناس واستولت اليوم على كثير منهم حتى أصبحت لهم شغلا شاغلا، وصار في الأمة من يدّعي اليوم القدرة على إخراج هذا الجن القابع داخل جسد الإنسان بقراءة القرآن عليه، أو ببعض العزائم الأخرى، على حسب تنوع هؤلاء المعالجين، واختلاف ثقافاتهم] اهـ
أقول: لو أنك تحترم العلماء وتقدرهم قدرهم، وتسعى كباحث منصف في عرض مسألة ما من مسائل الشريعة،، لما كنت تقول عما قرره أئمة أهل السنة في هذه المسألة (فكرة) وياليتها عندك فكرة فقط، إذ إن الفكرة قد تكون صحيحة ومفيدة، إلا أنك وصفتها بأنها (عجيبة وغريبة)!! وتقول (تسلطا من نوع غريب!!) وكأن الأمر محدث وجاء الشرع بتحريمه ..
ولا أريد أن أسهب في تتبع كل كلماتك، فالمجال هكذا سيتسع، ولذلك سأختار مقتطفات من درر كلامك في ملفك هذا، ولا يعني سكوتي عن غيره موافقة فلا تلزمني بها في ردك علي فيما بعد ..
ثم قلت: [وهذا البحث هو محاولة لدراسة هذا الأمر، وتبيان الحقيقة فيه، وإظهار ما فيه من الزيف، مقتصرا على القرآن الكريم؛ لأنه هو الحل الصحيح لدراسات تقوم على الموضوعية، ولم أعمد في هذا البحث إلى دراسة الأحاديث؛ لأنني رأيت أن مفتاح العلاج هو من القرآن أولا]
أقول: الآن ظهر عندي مذهبك في هذه المسألة، أتدري لماذا؟ لأنني وجهت إليك هذا السؤال من قبل عندما قلت لي: [وقد درست هذه القضية بعنوان العلاقة بين الإنسان والجان كما يصورها القرآن ونشرت هذا في بحث في مجلة إسلامية المعرفة العدد الأخير فانظره تكرما]
فقلت لك متطفلاًً: لماذا كانت الدراسة في ضوء القرآن فقط؟ وهل هذه العلاقة من خلال السنة الثابتة الصحيحة لا تقبل ها هنا؟ أو بمعنى آخر: هل هذه المسألة العقائدية لا تثبت بالسنة وتثبت بالقرآن فقط؟
فقلت لي: [أما لماذا درست القضية من خلال القرآن فقط فلأنني اكتب كتابا كبيرا في هذا الخصوص كان فصله الأول بذاك العنوان وأنا الآن أدرس القضية من جهة السنة فلا تعجل علينا بارك الله فيك]
فأين هو فصل السنة يا أستاذي؟ كيف وقد قررت وبحثت وانتهيت بنتيجة نصرتها بكل ما أوتيت من قوة، ووضعتها في عين القاريء كنتيجة حتمية لا تحتمل الخطأ بل هي كما وصفتها بنفسك (هي الصواب بعينه)؟
أهذا من الصدق أخي جمال الذي هو من صفة الباحث النزيه؟
¥