و ذكَر بيان ندوة " الحياة الإنسانية بدايتها و نهايتها " - التي عُقدت بالكويت سنة 1985 – نقلاً عن الأطباء المشاركين فيها قولهم: (إن كان جذع المخ قد مات فلا أمل في إنقاذه وإنما يكون المريض قد انتهت حياته، ولو ظلت قي أجهزة أخرى من الجسم بقية من حركة أو وظيفة هي بلا شك بعد موت جذع المخ صائرة إلى توقف وخمود تام). أهـ[5]
هذا و قد بلغت مُدة بقاء عمل القلب في بعض هؤلاء المرضى ثمانية و ستين يوماً بعد تشخيص الإصابة بموت الدماغ [6]؛ كما قال أحد المؤيدين لاعتباره موتاً للإنسان المُصاب به. و لا يقول عاقل إن عمل القلب تلك المدّة إنما هو بقية حركة أو وظيفة، حتى لو كان ذلك بمساعدة أجهزة الإنعاش؛ لأنها لا يمكنها فعل مثل ذلك في أجساد الأموات موتاً حقيقيا. هذا فضلاً عن أنّ أجهزة الإنعاش لا صلة لها ببقية أجهزة الجسم العاملة.
و هذا الجَزْمُ الذي ادّعوه – و المذكور في أول هذا الفصل - زَعْمٌ باطل؛ لأنٍَّ عِِلْم ذلك و تقديره عند الله وحدَه، لا عند أحدٍ سِواه، و لا يُجادل في هذه الحقيقة الأكيدة إلاّ جاحدٌ أو مُعانِد؛ قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}. [آل عمران: 145].
و معنى " مؤجلا " إلى أجل. ومعنى " بإذن الله " بقضاء الله وقدره.
وأجل الموت: هو الوقت الذي في معلومه سبحانه، أنّ روح الحيّ تفارق جسده؛ قاله القرطبي [7]. و عليه فالله وحده هو من يعلم و من يُحَدِّد لحظة الموت.
و تلك الحُجَّة التي احتَجّوا بها داحضة؛ لأن تَوَقُّع دُنُوّ ٍالمَوت ليس سبباً - في الشرع - للتعجيل بإيقاعه بوسيلة من الوسائل، أو لِغَرضٍ من الأغراض، مثل استباحة الجسد و استلاب الأعضاء، و إلاّ لَجَازَ فِعْل ذلك بجميع المُحْتضِرين مِن غَير مَرضَى موت الدماغ، و هذا باطلٌ بِلا رَيْب؛ لأنّ الله تعالى حرّم إعجال مَوت مَن قربتْ نفْسه مِن الزهوق، و أنّ فاعل ذلك قاتلُ نفْسٍ؛ ٍقال الإمام ابن حزم: لا يختلف اثنان من الأُمة كلها في أن من قَرُبَتْ نفْسُه من الزَّهوق بعلَّة أو بجراحة أو بجناية بعمدٍ أو خطأ فمات له ميتٌ فإنه يرثه، وإن كان عبداً فأُعتق فإنه يرثه ورثته من الاحرار، وأنه إن قدر على الكلام فأسلم وكان كافراً وهو يميز بعد فإنه مسلمٌ يرث أهله من المسلمين، وأنه إن عاين وشخَص ولو يكن بينه وبين الموت إلا نفَسٌ واحد فمات من أوصى له بوصية فإنه قد استحق الوصية ويرثها عنه ورثته؛ فصح أنه حيٌّ بعدُ بلاشك؛ إذ لا يختلف اثنان من أهل الشريعة وغيرهم في أنه ليس إلا حيٌّ أو ميت ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإذ هو كذلك وكنا على يقينٍ من أن الله تعالى قد حرّم إعجال موته وغَمّه ومنعه النفَس؛ فبيقينٍ وضرورة ندري أن قاتله قاتل نفْسٍ بلا شك، فمن قتله في تلك الحال عمداً فهو قاتل نفْس عمدا ومن قتله خطأ فهو قاتل خطأ، وعلى العامد القود أو الدِّية أو المفاداة، وعلى المخطئ الكفارة والدية على عاقلته، وكذلك في أعضائه القود في العمد. أهـ[8]
و هذا الإعجال بالموت هو الحاصل في إماتة المرضَى بموت الدماغ؛ بمنعهم النفَس بطريق نزع أجهزة الإنعاش – المساعِدة على التنفس – عنهم، في حال رفض أهلهم التبرع بأعضائهم، أو بإماتتهم قتلاً بانتزاع أعضاء أجسامهم الحيوية – الضرورية للحياة – في حال القبول بذلك التبرع. و قتْل النفْس العمْد متحققٌ في كِلا الحاليْن.
و لا يَصحّ التعلل بغرَض اقتطاع الأعضاء لعلاج الغير - في ذلك الإعجال بالموت – لأن (لِحياة الإنسان حُرْمتها، و لا يجوز إهدارها إلاّ في المواطن التي حددتها الشريعة الإسلامية، و هذه خارج نطاق المهنة الطبية تماماً)؛ كما جاء في الباب السابع من " الدستور الإسلامي للمِهن الطبية "، الذي أقَرّته المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية. [9]
* * *
الاستدلال بالسؤال المغلوط
و في سبيل الاحتجاج لدعوَى الموت الدماغي، وضعوا سؤالاً مغلوطاً يقول: (هل هناك حالة واحدة مات فيها جذع المخ، ثم عادت لها الحياة؟)، و يجيبون بـ (لا)، و عليه يقرّرون صحة دعوى الموت الدماغي [10]!
¥