و يؤكد هذا البيان الذي أصدره د. ممدوح سلامة، أستاذ المخ و الأعصاب، و الرئيس الأسبق للجمعية المصرية لجرّاحي المخ و الأعصاب – في 30/ 3 / 2009 - و كان يحمل العنوان المُعَبّر: ((بهدوء و وضوح ... لا موت و القلب ينبض)) [15]
مَوضِع الالتباس و الإلباس و فساد الاستدلال
و قد وقع التباسٌ شديدٌ عند بعض دُعاة الأخذ بمفهوم الموت الدماغي؛ إذ غَلطوا و خَلطوا بين دلالة حياة العضو المنفصل عن الجسم و بين دلالة حياة مِثله الموجود بالجسم [16]؛ مما أَوقَع في فساد الاستدلال.
مثال ذلك بحث " موت جذع المخ، مراجعة و مناقشة " - المُقَدّم إلى ندوة " التعريف الطبي للموت " بالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – حيث يقول مقدِّمه: (إن تعريف الموت بأنه «الزوال التام الدائم والأكيد لكل علامات الحياة من جميع أجزاء الجسم» لم يعد يستقيم مع الحقائق الثابتة حاليا، فلو تبرع إنسان سليم بأحدى كليتيه، وزرعت في مريض بالفشل الكلوي، ثم حان أجل السليم ودفن في قبره، واستمرت كليته تؤدي وظيفتها في جسم المريض، هل نمسك عن اعتبار المتبرع ميتاً لأن أحد أعضائه حي؟ ويقال مثل ذلك عن الخلايا التي تؤخذ من إنسان، ونستزرعها في أطباق في المختبر، يموت صاحبها، وتستمر هي في الحياة منتجة جيلا بعد جيل، ويمكن الاستطراد في الأمثلة المشابهة). أهـ[17]. و هو احتجاج في غير مَحِلّه أَوْصل إلى استنتاج غير صحيح.
إن مفهوم الموت الدماغي يقوم على اجتماع أَمريْن مُتناقضيْن: هما القول بتحقق الموت، مع تحقق حياة الجسم - بحياة أغلب أعضائه و أجهزته الرئيسية؛ بدلالة عدم تلفها و قيامها بوظائفها – و في سبيل رفع ذلك التناقض و إثبات صحة دعواهم تلك، قالوا بعدم دلالة حياة الأعضاء على حياة صاحبها، مع إغفال دلالة قيام أجهزة الجسم بوظائفها. و هو مع هذا الإغفال استدلالٌ في غَير مَوضِعه، و سيأتي بيانه بعد.
1 - و يحتَجُّون لذلك بعدم التلازم بين حياة و عمل الأعضاء – كالقلب و الكبد ٍمثلاً – و بين حياة صاحبها؛ بدليل حياتها و عملها في جسد المتلقي ٍالمزروعة فيه تلك الأعضاء، مع موت صاحبها الأصلي ٍالمنزوعة منه، فيما يُسمى بنقل و زراعة الأعضاء من الأموات.
2 - و يحتَجّون لذلك أيضاً بعدم التلازم بين موت أو تلف تلك الأعضاء و بين مَوت صاحبها؛ بدليل حياة صاحب العضو التالف، إذا استُبدِلَ به عضوٌ سليم مأخوذٌ من إنسان آخر أو مَثيلُه الاصطناعي، في الوقت المناسب و بِقَدَر الله. و كُلّ ذلك واقعٌ و ٍمُشاهَدٌ و لا خِِلاف فيه.
ٍٍٍ* و يَخْلصون من ذلك إلى القول بعدم دلالة حياة و عمل الأعضاء على حياة صاحبها، و هو ما لا نُنازِع فيه بخصوص صاحبها ٍالمنفصلة عنه، و لكنّا نُنازِع بل نعارِض * في دلالته على صحة ما يُسَمّونه بالموت الدماغي•؛ إذ لا حُجّة لهم فيه بخصوص صاحب الجسد الموجودة فيه تلك الأعضاء.
بيان دلالة حياة و عمل الأعضاء على حياة صاحب الجسد - الموجودة فيه -:
ٍٍٍٍٍ* ٍو هذا الذي ادّعوه و استنتجوه آنِفا ٍهو استدلالٌ في غَير مَوْضعه؛ لأنّا نقول إنَّ المَوْضِع ذا الدلالة في هذا الشأن إنما هو ذلك الجسد الموجودة فيه تلك الأعضاء - وقت تشخيص و تحقيق وقوع الموت من عدمه - أي أنّ مَوْضِع العضوٍ المُستدَّل بحياته، هو ذات الجسد الموجود فيه ذلك العضو الحيّ العامل – أصلياًكان أم منقولاً - لا الجسد الآخر المنفصل عنه العضو؛ فإذا كان الجسد محتوياً على عضوٍ حيٍّ يعمل و يُؤَدِّي وظيفته؛ فيكون دليلاً على حياة صاحب ذلك الجسد الموجود فيه هذا العضو، و كذا الأعضاء من باب الأَوْلَى.
و هذا لا ينعكس؛ فلا يكون تلف العضو و فشله في أداء وظيفته دليلاً على موت صاحب الجسد الموجود فيه؛ لإصابة كثير من المَرْضَى الأحياء – من غير موتى الدماغ - بفشلٍ عضويٍّ، كَبِديّ أو كلويّ أو قلبي؛كما هو مُبَيّن آنفا، في الفقرة رقم (2).
و بعبارة أخرى، فوجود العضو حيّاً عاملاً في جسدٍ ما هو دليلٌ على حياة صاحب ذلك الجسد الموجود فيه؛ لأنه مُحالٌ - قطعاً - وجود ذلك العضو بهذا الحال في جسد الأموات. و المماري يلزمه الدليل.
¥