ط - الأكل متكئاً: اتفقوا على تحريم الأكل متكئاً تكبراً، فإن كان لغير التكبّر فقد اختلفوا في كراهته، فكرهه بعضهم ; لأنّه من فعل المتكبّرين، وأصله مأخوذ من ملوك العجم، إلا أن يكون بالمرء مانع لا يتمكن معه من الأكل إلا متكئاً فيباح له ذلك، وأباحه البعض الآخر، وقد نقل عن بعض السلف جواز الأكل متكئاً، بينما ينقل إبراهيم النّخعيّ عن السلف أنّهم كانوا يكرهون أن يأكلوا تكأةً، ولكنّه جعل علةً ذلك مخافة أن تعظم بطونهم، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّي لا آكل متكئاً».
ي - لبس جلود الحيوانات الكاسرة: يحرم لبس جلود الحيوانات الكاسرة كالنّمور والسّباع تكبراً، وإذا حرم لبسها فإنّه يحرم فرشها تكبراً في البيوت التي يستقبل فيها الضّيوف، ولكن لا بأس أن يجعل منها مصلّىً أو مِيْثَرَةُ السرج.
ك - إطالة الثوب إلى أسفل من الكعبين: اتفقوا على تحريم إطالة الثوب إلى أسفل من الكعبين اختيالاً وتكبراً ; لقوله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، واتفقوا على إباحة إطالة الثوب إلى أسفل من الكعبين للحاجة، كما إذا كان بساقيه حموشة - أي: دقة ورقة - فلا يكره ما لم يقصد التدليس.
واختلفوا في إطالتها إلى أسفل من الكعبين من غير كبر ولا اختيال ولا حاجة: فذهب الجمهور إلى الكراهة التنزيهية.
ل - مسح العرق وماء الوضوء بالخرقة:
كره الحنفية أن يحمل الشخص خرقةً خاصةً ليمسح بها عرقه أو ينشّف بها ماء الوضوء عن أعضائه أو يتمخط بها، إن أراد بذلك التكبّر، أما إذا لم يرد بها التكبّر فلا كراهة في ذلك.
علاج الكبر:
7 - قال ابن قيّم الجوزية: إنّ الكبر من المهلكات، ومداواته فرض عين، ولك في معالجته مقامان:
الأول: في استئصال أصله وقطع شجرته، وذلك بأن يعرف الإنسان نفسه، ويعرف ربه، فإنّه إن عرف نفسه حق المعرفة، علم أنّه أذلّ من كلّ ذليل، ويكفيه أن ينظر في أصل وجوده بعد العدم من تراب، ثم من نطفة خرجت من مخرج البول، ثم من علقة، ثم من مضغة، فقد صار شيئاً مذكوراً بعد أن كان جماداً لا يسمع ولا يبصر ولا يحسّ ولا يتحرك، فقد ابتدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبفقره قبل غناه، وقد أشار الله تعالى إلى هذه بقوله: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} وبقوله: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} فأحياه بعد الموت، وأحسن تصويره، وأخرجه إلى الدّنيا فأشبعه وأرواه، وكساه وهداه وقواه، فمن هذه بدايته فأي وجه لكبره وفخره؟!!.
على أنّه لو دام له الوجود على اختياره لكان لطغيانه طريق، بل قد سلّط عليه الأخلاط المتضادة، والأمراض الهائلة، بينما بنيانه قد تم، إذ هو قد هوى وتهدم، لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً، بينما هو يذكر الشيء فينساه، ويستلذّ الشيء فيرديه، ويروم الشيء فلا يناله، ثم لا يأمن أن يسلب حياته بغتةً.
هذا أوسط حاله، وذاك أول أمره، وأما آخر أمره: فالموت الذي يعيده جماداً كما كان، ثم يلقى في التّراب فيصير جيفةً منتنةً، وتبلى أعضاؤه، وتنخر عظامه، ويأكل الدّود أجزاءه، ويعود تراباً يعمل منه الكيزان، ويعمر منه البنيان، ثم بعد طول البلى تجمع أجزاؤه المتفرّقة ويساق إلى الحساب.
والثاني: من اعتراه الكبر من جهة النّسب، فليعلم أنّ هذا تعزّز بكمال غيره، ثم يعلم أباه وجده، فإنّ أباه القريب نطفة قذرة، وأباه البعيد تراب. ومن اعتراه الكبر بالجمال فلينظر إلى باطنه نظر العقلاء، ولا ينظر إلى ظاهره نظر البهائم.
ومن اعتراه من جهة القوة، فليعلم أنّه لو آلمه عرق عاد أعجز من كلّ عاجز، وإن شوكة دخلت في رجله لأعجزته، وبقة لو دخلت في أذنه لأقلقته.
من تكبر بالغنى، فإذا تأمل خلقاً من اليهود وجدهم أغنى منه، فأفّ لشرف تسبقه به اليهود، ويستلبه السارق في لحظة، فيعود صاحبه ذليلاً.
ومن تكبر بسبب العلم، فليعلم أنّ حجة الله على العالم آكد من حجته على الجاهل، وليتفكر في الخطر العظيم الذي هو بصدده، فإنّ خطره أعظم من خطر غيره، كما أنّ قدره أعظم من قدر غيره.
وليعلم أيضاً: أنّ الكِبْر لا يليق إلا بالله تعالى، وأنّه إذا تكبر صار ممقوتاً عند الله بغيضاً عنده، وقد أحب الله تعالى منه أن يتواضع، وكذلك كلّ سبب يعالجه بنقيضه، ويستعمل التواضع.