فلا تبكين إلا لفقد عالمٍ يبادر بالتفهيم للمتعلم
وفقد إمامٍ عالمٍ قام ملكه بأنوار حكم الشرع لا بالتحكم
وفقد شجاعٍ صادقٍ في جهاده وقد كُسِِرت رايته في التقدم
وفقد كريمٍ لا يمل من العطا ليطفئ بؤس الفقر عن كل معدم
وفقد تقيٍّ زاهدٍ متورعٍ مطيعٍ لرب العالمين معظم
فهم خمسة يُبكى عليهم وغيرهم إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم
أوصى رجلٌ بنيه، فقال: يابني عاشروا الناس معاشرةً إن غبتم عنهم حنوا إليكم وإن متم بكوا عليكم ..
ويموت أناس فلا يُؤسَى على فراقهم ولا يحزن على فقدهم؛ فلم يكن لهم آثارٌ صالحة ولا أعمالٌ نافعة ولا إحسانٌ إلى الخلق ولا بذل ولا شفقة ولا عطف ولا رحمة ولا خلق حسن .. يقول الله – تعالى- في أمثال هؤلاء: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ .. الدخان 29
لا يرى لهم في الأرض شاكر ولا لهم بالخير ذاكر
كأنهم قَطُّ ما كانوا ولا وجدوا ومات ذكرهم بين الورى
فالحقود الحسود، والجموع المنوع، والفاحش البذيء، وصاحب الظلم والكبر والهوى، والذي يعامل الناس بالغلظة والقسوة والشدة يقطع الله الذكر الحسن عنه، ويبقى له البغض في الأرض، والذم من الخلق.
كم طامع بالثنا من غير بذل يد ومشتهٍ حمداً ولكن بمجاني
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً حتى يروا عنده آثار إحسانِ
وعن عمرو بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد الله بعبد خير عسَّله – قيل يا رسول الله وما عسله؟ قال: فتح له عملاً صالحاً بين يدي موته؛ حتى يرضي عنه من حوله " أخرجه أحمد وابن حبان، قال ابن قيتبة: " قوله: عسله أراه مأخوذاً من العسل .. شبه العمل الصالح الذي يفتح للعبد حتى يرضى الناس عنه ويطيب ذكره فيهم بالعسل ".
ومن الأعمال الصالحة التي تفتح للموفقين فيرضى الله بها عنهم ويرضي بها الخلق ويلحقهم أجرها بعد الممات حبس النفس عن التعلم، وإقراء القرآن والتحديث، ونشر العقيدة الصحيحة، والتصدر للإفادة والتصدير والتأليف، وطباعة الكتب النافعة، وبناء المدارس والمساجد والمشافي، وسقي الماء وحفر الآبار، وكثرة الصدقة وإدامة البر والإحسان، والشفقة على الضعاف وتزويج المعدوم، وإعطاء المحروم وإنصاف المظلوم، والأداء عن المحبوس، وقضاء الحوائج ومواساة الفقراء، وإدخال السرور على المرضى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، والإصلاح بين المتخاصمين، وجمع كلمة الأمة على الخير والهدى، والتقوى والصلاح، إلى غير ذلك من طرق الخير ووجوه البر ..
فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " سبعٌ يجري للعبد أجرهن في قبره بعد موته من علم علماً، أو أجرى نهراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته " أخرجه أحمد، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن مما يمحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها في صحته وحياته يمحقه من بعد موته " أخرجه ابن ماجه.
أيها المسلمون .. والحب يسري والحمد يبقى، والثناء والدعاء يدوم لمن عم نفعه وشمل عطاؤه وإحسانه وتواصل بره وخيره، فقدموا لأنفسكم من الآثار الطيبة والأعمال الصالحة، والقُرَب والطاعات والإحسان ما لا ينقطع لها عمل، ولا تقف لها أجور مع تواصل الدعوات الصادقة لكم من المسلمين على مر الأيام والأعوام .. اللهم اجعلنا مباركين أينما كنا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه .. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ التوبة 119.
¥