وقد اختلف في زمن تأليفه فقيل ألفه وهو في الخمسين من عمره وقيل بل تجاوز السبعين ..
وهذا وإن كان ترجيح أحدهما صعب المنال إلا أنه من المتفق عليه أنه بدأ في تنقيح المستدرك ولم يتمه كما أشرنا أعلاه.
والثالثة: أن الإمام الذهبي اختصر المستدرك في منتصف عمره
وهذا لا إشكال فيه بين الفريقين وأدلته واضحة لا حاجة إلى ذكرها، فمن المسلم به أن الإمام الذهبي اختصر المستدرك في أوائل تصنيفه بدليل ذكره له في غالب مؤلفاته، ومن المعروف أن البدايات تكون باختصار الكتب النافعة كما هو معلوم.
وقد قال في السير كما سيأتي: ولقد كنت زماناً طويلاً أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه، فلما علقت هذا الكتاب رأيت الهوْل من الموضوعات التي فيه!! فإذا حديث الطير بالنسبة إليها سماء!!.
فبين هذا النص أن تعليقه على المستدرك بعد زمان طويل .. وهو تقريبا في منتصف العمر وأوائل التصنيف لما قدمنا ..
فمن قال أنه ألف المختصر وهو في بداياته فقد أخطأ، لتصريح الذهبي أنه كان زمانا طويلا لا يعتقد أن يكون حديث الطير في المستدرك .. وهذا يبين أنه ألفه في منتصف عمره وقبل إخراجه كتب الرجال الأخرى.
والرابعة: كلامنا هنا على إقرار الذهبي وليس على سكوته
فيجب أن نفرق بين سكوت الإمام الذهبي وبين نقله لتحقيق الحاكم، فالأول ليس هو مدار النقاش، ولا اختلاف في أنه ليس للذهبي فيه حكما، أما الثاني وهو نقل كلام الحاكم فهذا هو المعني به في نقاشنا.
وقد يكون سكوت الذهبي عن بعض الأحاديث يرجع إلى تكرارها أو أنه توقف فيها فلم يبدي فيها حكما ..
والآن نذكر الأدلة التي احتج بها المعاصرين
ويحسن بي أن اذكر هنا ما قاله المؤلف الفاضل صاحب كتاب لسان المحدثين (3/ 328) في الأدلة التي ساقها ليثبت بها أن تعليق الذهبي على المستدرك ما هو إلا اختصار وليس إقرار،،
قال:
الأول: أنه إن كان الأمر كذلك: كان معناه ولازمه أن الإمام الذهبي كثير الخطأ وكثير التساهل وكثير التناقض، فإنه قد سكت على أحاديث كثيرة صححها الحاكم مطلقاً أو على شرط الشيخين أو أحدهما وفيها رواة قد وهنهم الذهبي نفسه في الميزان أو غيره أو فيها علل أخرى مانعة من ذلك التصحيح معروفة بل مشهورة عند عامة المشتغلين بالحديث فضلاً عن الحافظ الذهبي ذلك الإمام النقاد المدقق الذي لا يخفى مثلها على مثله بحال.
وهذه اللوازم الثلاثة أي كثرة الخطأ وفحش التساهل وتكرار التناقض منتفية - قطعاً - عن الإمام الذهبي، باطلٌ - جزماً - وصْفُهُ بها، فالملزوم - وهو أن سكوت الذهبي عما سكت عليه من أحكام الحاكم كان إقراراً له فيها وموافقة له عليها -: باطل أيضاً.
الثاني: أن الذهبي لم يصرح بهذا الذي صرح به الناس على لسانه نيابة عنه، ولا رأيناه قال هذا الذي قولوه إياه.
الثالث: أن الذهبي نفسه قد صرح عند ذكره اختصاره للمستدرك، بأن المستدرك لا يزال به حاجة إلى العمل والتحرير؛ فقد قال في السير ( ... وبكل حال فهو كتاب مفيد، قد اختصرته، ويُعْوِز عملاً وتحريراً).
فتدبر عبارته الأخيرة هذه، ترى لو كان الذهبي استوفى نقده للحاكم في تلخيص المستدرك أيكون لهذه العبارة معنى؟ بل الظاهر أنه لو كان أتى على جميع الكتاب نقداً واستدراكاً لذكره، ولما اقتصر على قوله (قد اختصرته) ثم أردفه بما رأيت، فنقد المستدرك أنفع من اختصاره بلا ريب.
ومما يؤيد قول من يرى أن الذهبي لم يقصد نقد المستدرك، وإنما أراد تلخيصه واختصاره كيفما اتفق - والذهبي مشهور بكثرة اختصاره للمطولات من كتب الرواية والرجال - أن الذهبي نفسه سمى تلخيص المستدرك تعليقاً فقد قال في التلخيص عند رواية الحاكم لحديث الطير (3/ 130 - 131): (ولقد كنت زماناً طويلاً أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه، فلما علقت هذا الكتاب رأيت الهوْل من الموضوعات التي فيه!! فإذا حديث الطير بالنسبة إليها سماء!!).
¥