وقد يكون تضعيفه للحديث بسبب انقطاع في سنده، فيقول: "قلت: مرسل"، وهو يعني بذلك - في الغالب - أن التابعي لم يسمع من ذلك الصحابي الذي روى الحديث. فهذا بالنسبة لبعض صورة تعقب الذهبي.
ثالثاً- وأما سكوت الذهبي:
فهو قليل في "المستدرك "، وصورته أن يترك كلام الحاكم؛ فلا يذكره ولا يتعقبه بشيء:، وإنما يذكر الحديث فقط. وهكذا يكون سكوت الذهبي.
أوهام الذهبي في التلخيص:
ومما ينبغي لنا أن نعلمه أن الذهبي قد وقع في أوهام كثيرة في "التخليص"، ومنها في موافقاته للحاكم، وأحياناً في كلامه على بعض الرواة، وعُذره في ذلك أنه ألفه في مقتبل العمر. ومعلوم بأن صغير السن لم ينضج علمياً، ويتضح هذا في اختلاف رأيه في بعض المسائل وفي بعض الرجال بين كتابه "التخليص" وبين كتبه المتأخرة كـ " ميزان الاعتدال".
وقد اعترف الذهبي في ترجمة الحاكم في " سير أعلام النبلاء" بأن عمله هذا يحتاج إلى إعادة نظر وتحرير.
تعقب الإمام الذهبي للحاكم:
وأحياناً قد يعلق الحاكم الحديث عن راوٍ مشهور مثل شعبة بن الحجاج؛ والسبب أنه يرى أن هذا الراوي هو مخرج الحديث.
فحينما يكون له على الإسناد كلام يعلق الحديث على الراوي الذي تدور عليه أسانيد الحديث مثل قوله: شعبة عن أبي بلج يحيي سمع عمرو بن ميمون الأزدي .. إلخ.
ولابد أن يبرز الراوي الذي يريد أن يتكلم فيه، مثل قوله: شعبة عن أبي بلج قال: "م"؛ أي أن الحاكم صححها على شرط مسلم، قال الحاكم: " هذا حديث صحيح لم يخرج في الصحيحين، وهو على شرط مسلم بن الحجاج".
وطريقة الذهبي أن يختصر هذا الكلام كله، فبدلاً من أن يقول: "قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، بدلاً من ذل يحذف كل هذا الكلام ويعبر برمز صغير فقط هو "م"، ومعناه أن الحاكم صححها على شرط مسلم.
وعندما قال: "م" قال: قلت: احتج "م" بأبي بلج. قلت -أي الذهبي-: لا يحتج به، ووثق، وقال البخاري: فيه نظر.
أي أن الذهبي تعقب الحاكم على هذا الحديث، فقد رأى الحاكم أن مسلماً احتج بأبي بلج هذا، وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: لا يحتج به، وقد وثق"، أي يتهم من وثقه ويتهم من ضعفه.
فالذهبي إما أن يقر الحاكم أن يتعقبه؛ فإذا تعقبه فإنما يتعقبه بتصحيح أو بتضعيف أو بيان أمر من الأمور.
فإذا قال الحاكم: هذا صحيح على شرط البخاري، وحكى الذهبي كلام الحاكم ثم تركه ولم يعلق عليه، قيل: إن الذهبي أقر الحاكم على تصحيحها لهذا الحديث، وذلك مثل قول الذهبي: "يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن أبا بكر لما بعث الجيوش نحو الشام مشى معهم حتى بلغ ثنية الوداع، قالوا: يا خليفة رسول الله تمشي ونحن ركُب "خ-م".
ويقصد الذهبي بـ "خ - م" أن هذا كلام الحاكم؛ أي أن الحاكم صححه على شرط البخاري ومسلم، فيختصر الذهبي كل هذا الكلام بقوله بين قوسين: "خ-م".
وإذا لم يتعقب الذهبي الحاكم فيقال: إن الذهبي قد وافق الحاكم.
أما إذا تعقبه، كأن يكون الحاكم قد قال على الحديث: "إنه صحيح على شرط "البخاري ومسلم"، فيقول الذهبي: "مرسل".
أي ليس الحديث على شرط البخاري ومسلم، فهذا الحديث ضعيف؛ لأنه مرسل.
وقد أخرج الحاكم حديث "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً". ولم يصححه على شرط البخاري ومسلم، ولا على شرط واحد منهما، وإنما سكت عنه، فقال الذهبي: "قلت: لم يتكلم عليه المؤلف، وإنما سكت عنه وهو صحيح، لذلك لم أره يتكلم على أحاديث جمة بعضها جيد، وبعضها واهٍ ... إلخ"، فقد تعقب الذهبي الحاكم في هذا الحديث بالتصحيح.
ومن أمثلة ذلك أيضاً حديث عاصم عن زر بن حبيش قال:
" خرجت مع أهل المدينة في يوم عيد، فرأيت عمر بن الخطاب يمشي حافياً شيخاً أصلع آدم أعسر أيسر، طوالاً مشرفاً على الناس كأنه على دابة ببرد قطري يقول: عباد الله، هاجروا ولا تهجروا، وليتق أحدكم الأرنب يخذفها بالحصى أو يرميها بالحجر فأكلها، ولكن ليذك لكم الأسل والرماح والنيل".
فقد أخرج الحاكم هذا الحديث وسكت عنه، فتعقبه الذهبي بقوله: "قلت " صحيح".
فإذا أورد الذهبي كلام الحاكم مختصراً ولم يذكر بعده: "قلت"، ولا ذكر كلاماً، فهذا يعني أنه يوافق الحاكم.
وإذا قال: "قلت"، فهذا يعني أن تعقب الحاكم.
¥