تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الكلام على ما سكت عليه الذهبي وتوضيح الإشكال في ذلك:

وأما إذا لم يذكر شيئاً، لا كلام الحاكم ولا شيئاً من قبل نفسه؛ فهذه هو الذي يُقال عليه "سكوت الذهبي".

ومن ذلك حديث زياد بن لبيد الأنصاري قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُحدث أصحابه، وهو يقول: " قد ذهب أوان العلم" قلت: بأبي وأمي، وكيف يذهب أوان العلم ونحن نقرأ القرآن ونعلمه أبناءنا ويعلمه أبناؤنا أبناؤهم إلى أن تقوم الساعة؟ فقال: "ثكلتك أمك يا ابن لبيد، إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة، وليس اليهودي والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون منهما شيء؟!.

قال الحاكم: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

ولم يذكر الذهبي كلام الحاكم في الهامش، ولم يعلق عليه. فمثل هذا يقال عنه: سكت الذهبي عنه.

وهذه المسألة من المسائل التي يُخطئ فيها كثير من طلاب العلم في هذا الزمان. وأقول: في هذا الزمان؛ لأنها لم تكن واردة من قبل.

فبعض طلبة العلم في الحديث - وبعضهم كتب هذا في بعض المؤلفات - يقول:

لا تقول: إن الذهبي يُوافق الحاكم، فهذا الكلام غير صحيح؛ لأن الذهبي لا يُمكن أن يخفى عليه مثل هذا الكلام، ونحن نجد أن الذهبي إنما يحكي كلام الحاكم فقط، فكيف تقولون إنه أقر الحاكم؟

وللجواب على ذلك نقول:

تختلف أحوال الذهبي مع الحاكم؛ فالذهبي أحياناً يتعقب الحاكم، وقد أوردت بعض أمثلة التعقب، وأحياناً يحكي كلام حكمه فقط، فإذا حكاه يقال له: إقرار وموافقة، وقد بينت مثاله، وأما أنه لا يذكر كلام الحاكم إطلاقاً ولا يتعقبه بشيء، فإن هذا سكوت.

فهي إذن ثلاثة أحوال: تعقب، وإقرار، وسكوت.

نجد أن الذهبي سكت عن حديث عمارة بن حزم قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر، فقال: "أنزل من القبر؛ لا تؤذي صاحبه ولا يؤذيك ".

فهذا الحديث سكت عنه الحاكم وسكت عنه الذهبي أيضاً، ولكن الذهبي حينما سكت عنه، لم يسكت عنه فيما يظهر، لأنه لا يحرر فيه الكلام، بل إنه علق الحديث عن ابن لهيعة، وكأنه يشير إلى من يقف على الحديث إني أبرزت لك ابن لهيعة فاعرف أنه هو الذي يعتبر علة هذا الحديث.

فأحياناً قد يصنع الذهبي هذا الصنيع، ويشر للعلة مجرد إشارة بطريقة تعليقه للحديث بهذه الصورة، وأحياناً لا يصنع هذا.

وبعض طلبة العلم الذين أشرت إليهم، وبعض المؤلفين يرون، أننا حين نقول عن حديث من الأحاديث: إن الذهبي وافق الحاكم وأقره عليه، كأن يقول الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، فيذكر الذهبي هذا الحديث في "التخليص" ويقول: "خ، م"، أي أن الحاكم قال: على شرط البخاري ومسلم، ثم لا يتعقبه بشيء - هم يقولون حينذاك: لا يجوز لكم أن تقولوا: إن الذهبي وافق الحاكم.

ونحن نقول: إن الذهبي وافق الحاكم في هذه الحالة.

ومنشأ النزاع أنهم يقولون: الذهبي لم يصرح بموافقة الحاكم، فهو لم يقل: أصاب الحاكم، أو: إنني أوافق الحاكم، ولم ينص في المقدمة على إنني إذا قلت كذا فأنا موافق للحاكم، فكيف تنسبون للذهبي ما لم يقله؟!.

نقول لهم: أولاً عرف دائماً أن الإنسان حين يحكي كلام عالم من العلماء في مقام من المقامات ولا ينتقده ولا يتعقبه بشيء فهو مقر له.

ومثاله: لو أن أحدكم سألني في مسألة من المسائل، ولتكن مسألة الطلاق ثلاثاً، فقال لي: ما تقول في الطلاق ثلاثاً؟ فقلت له: الشيخ عبد العزيز بن باز يرى أنه يقع واحدة.

فأنا حينما أذكر كلام الشيخ ابن باز ولا أتعقبه بشيء يكون مقصودي موافقته على مثل هذا، ولو لم يكن الأمر كذلك لقلت: الشيخ عبد العزيز يرى كذا، وأنا أرى كذا، هذا من الناحية اللغوية والناحية المنهجية عند العلماء.

ثم إننا إذا نظرنا لصنيع الأئمة من قبل الذهبي حتى هذا العصر الذي خرج فيه، فإذا بنا نجد أن أحداً منهم لم يخالف هذا المنهج، بل إن الزيلعي في " نصب الراية " - وهو تلميذ الذهبي - حينما ينتقل تصحيح الحاكم يقول في بعض الأحيان: " ووافقه الذهبي".

وقريب من هذا صنيع ابن الملقن، في طبقة الزيلعي - ولكن لست أدري هل تتلمذ على الذهبي أم لا - يقول ابن الملقن في اختصاره لكتاب الذهبي بعد أن ذكر حديث النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:" كل سبب منقطع يوم القيامة غير سببي ونسبي ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير