ـ[علي المعشي]ــــــــ[07 - 05 - 2010, 03:46 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم.
سلام الله عليكم جميعا، ورحته تعالى وبركاته.
هذا رأي لي متواضع ـ سبق لي نشره فس مواقع أخرى:
* * * * *
إشكالية موضع الفتحتين
يتعلّق الأمر باختلاف الكُتّاب في موضع الفتحتين في نحو (كتابا) و (فتى):
- فمنهم من يضعهما على الحرف المنوّن نفسه: (كِتابًا) (فَتًى).
- ومنهم من يضعهما على الألف التي تليه: (كِتاباً) (فَتىً).
- ومنهم من يضعهما على الألف في نحو (كٍتاباً)، وعلى الحرف المنوّن في نحو (فَتًى).
ويحتدُّ النقاش بين أصحاب هذه المذاهب، فيُخطّئ بعضهم بعضا.
ــــــــــــ
وأرى – والله أعلم – أن العبارتين "صحيح" و"خطأ" لا يجوز استعمالهما إلا فيما كان محلّ إجماعٍ بين من يُعْتَدُّ به من العلماء. أما المسائل الخلافية، فلا مانع من الأخذ فيها بالرأي الذي تطمئنّ إليه أنفسُنا، على أن نُطلِق عليه صفات من قبيل "الأَوْلى" و"الأصَحّ" و"الأرجح" ونحو ذلك، ونُطلِق على غيره "الرأي المرجوح" أو "خِلاف الأَوْلى" أو ما شابه ذلك.
فهل العلماء مجمعون على رأي معيّن، بخصوص موضع الفتحتين في نحو "كتابا" و"فتى"؟
1 - من المعلوم أن الأصل في الكتابة العربية أن يُنظر إلى الكلمة مجرّدةً عمّا قبلها وعمّا بعدها، فتُكتَب بالطريقة التي تُلفَظ بها لو ابتُدِئ بها ووُقِف عليها. ولذلك لا يُرسَمُ التنوين في "كِتابٌ" (المرفوعة) و"كِتابٍ" (المجرورة)؛ لأننا نقف عليهما بالسكون، هكذا: "كِتَابْ" (وإن كان اللفظ في الوصل: "كِتَابُنْ" و"كِتَابِنْ"). ولذلك أيضا تُرسَمُ الألف (ممدودةً أو مقصورةً) في "كِتَابا" و"فَتى"؛ لأننا نقف عليهما بالألف، هكذا: "كِتَابَا" و"فَتَى" (وإن كان اللفظ في الوصل: "كِتَابَنْ" و"فَتَنْ").
2 - ومن المعلوم كذلك أن الألف التي نقف بها في "كِتَابَا" مُبْدَلةٌ من التنوين الذي كان في الوصل ("كِتابَنْ"). أما الألف التي نقف بها في "فَتَى" و"عَصَا"، فالراجح أنها هي الألف الأصلية التي كانت في "الفَتَى" و"العَصَا"؛ ولكنّها تُحذف في الوصل لالتقاء الساكنين؛ إذ الأصلُ أن تُلفَظا: "فَتَانْ" و"عَصَانْ"، ولكنّهما تُلفظان: "فَتَنْ" و"عَصَنْ"، لئلاّ يلتقي ساكنان.
3 - ومن جهة أخرى، نعلم أن الكتابات العربية الأولى كانت خالية من النقط والشكل، وأن أبا الأسْوَد الدُّؤَليّ (ت 69 ه) – على الأرجح – كان أوّل من ابتدأ الشكل، بوضع نُقَط تدُلُّ على الحرَكات والتَّنْوِين، حين قال لكاتبه: ” خُذِ المصحف، وصِبْغاً يُخالِفُ المِدَادَ. فإذا فَتَحْتُ شَفَتَيَّ فانقُطْ واحدةً فوْقَ الحَرْف، وإذا ضَمَمْتُهما فاجعَلِ النَّقطةَ إلى جانب الحَرْف، وإذا كَسَرْتُهما فاجعَلِ النَّقطةَ في أسفَلِه، فإنْ أَتْبَعْتُ شيئاً مِن هذه الحرَكاتِ غُنَّةً (يقصد التنوين) فانقُطْ نُقطتَيْن “. وحين اقترح الخليل بن أحمد (ت 170 أو 175 ه) تعويض نُقَطِ أبي الأَسْوَد بعلاماتِ الحرَكات التي نستعملُها اليوم، حافظ على منهجيته في التنوين، فجعل علامته: تكرار الحركة السابقة، بحيث نحصل على علامتين متشابهتين (فتحتَيْن أو ضمَّتَيْن أو كسرتَيْن)، إحداهما للحركة والثانية للتنوين.
4 - ولقد كان بإمكان الخليل افتراح علامة جديدة للتنوين، كأن يُشير إليه بنُونٍ صغيرة على سبيل المثال. ولو فعل ذلك، لكان يُكتَفى في الحرف المنوّن بحركة واحدة، ولكانت النون الصغيرة تُوضَعُ في ثلاثة مواضع مختلفة:
* بعد الحرف المنوّن في "كِتابٌ" و"كِتابٍ" (على غرار الواو والياء الصغيرتين اللتين نجدهما في المصاحف بعد هاء الغائب).
* وفوق الألف في "كتابا" (لأن هذه الألف هي التي تُبْدَلُ من التنوين في الوقف).
* وبعد الألف في "فتى" و"عصا" (لأن التنوين في الأصل كان بعد الألف، ثم حُذفت الألف لالتقاء الساكنين).
¥