5 - بيد أن الخليل آثر الحفاظ على منهجية أبي الأسْوَد كما سبق، ولم يَسْتَسِغِ الفصل بين العلامتين المتشابهتين (علامة الحركة وعلامة التنوين)، لشدّة الارتباط بين الحركة والتنوين، فجعل كِلْتا الضّمّتَيْن فوق الحرف المنوّن في نحو "كِتابٌ"، وجعل كِلْتا الكسرتَيْن تحت الحرف المنوّن في نحو "كِتابٍ". وبقيت مشكلة الفتحتين (اللتين لولا كراهة الفصل بينهما، لوُضِعت أُولاهما على الحرف المنوّن، ولوُضِعت الثانية فوق الألف في نحو "كتابا"، وبعده في نحو "فتى" و"عصا").
6 - فما العمل؟
* لقد ذهب الخليل وأصحابه إلى وضع كلتا الفتحتَيْن فوق الحرف المُنوَّن نَفْسِه؛ هكذا: "كِتابًا" – "فَتًى" – "عَصًا". وعلى هذا تُضبَط المصاحف المشرقية، ولا سِيّما التي تُعتَمد فيها رواية حفص عن عاصم. ويُؤيّده الإجماع على وضع الفتحتين فوق التاء المربوطة في نحو "شَجَرةً".
* وذهب يحيى اليَزِيدي (ت 202 ه) إلى وضع كلتا الفتحتَيْن فوق الألف الممدودة أو المقصورة التي تَلِي الحرفَ المُنوَّنَ؛ هكذا: "كِتاباً" – "فَتىً" – "عَصاً". واختار هذا نُقّاطُ المدينة والبَصرة والكُوفة. ودافع عنه الإمام أبو عمرو الداني (ت 444 ه) في كتابه "المُحْكَم في نَقْط المصاحف" (ص 60 وما بعدها، بتحقيق الدكتور عزة حسن). وعلى هذا تُضبَط المصاحف المغربية التي تُعتَمد فيها رواية ورش عن نافع، وبعضُ المصاحف المشرقية التي تُعتمَد فيها هذه الرواية.
* واقترح بعضهم وضع فتحة على الحرف المنوّن وأُخرى على الألف، كما اقترح آخرون وضع فتحة على الحرف المنوَّن وفتحتين على الألف؛ ولكن جمهور العلماء لم يلتفتوا إلى هذين الرأيَيْن.
7 - يقول الإمام محمد بن محمد الأموي الشريشي الشهير بالخرّاز (ت 718 ه)، بعد يبان علامة كل حركة من الحركات الثلاث:
ثُمَّتَ إنْ أتْبَعْتَها تَنْوينَا ... فزِدْ إلَيْها مِثْلَها تَبْيِينَا
وإن تَقِفْ بألِفٍ في النَّصْبِ ... هُما عَلَيْهِ في أصَحِّ الكَتْبِ
أي: فهُما عليه، أي: على الألف. ثمّ يقول:
وإن يكُنْ ياءً كَنَحْوِ "مُفْتَرَى" = هُما على الياءِ، كذا النَّصُّ سَرَى
وقيل: في الحَرْفِ الذي مِن قَبْلُ = حَسَبَ ما اليَوْمَ عَلَيْهِ الشَّكْلُ
ويظهر من البيت الأخير: أن مذهب الخليل كان هو الشائع في عصر الخرّاز، في غير المصحف الشريف.
فالمسألة – كما نرى – خلافيّة. فيُستحسَنُ الابتعاد فيها عن مصطلحَيِ "الخطإ" و"الصواب"، ولا سِيّما في موقع ينتمي مُتصفِّحوه إلى بُلدان شَتّى، قد تختلف مواقف مناهجها التعليمية من المسألة. والله أعلم.
ملحوظة: بعضهم يقول: (لا يجوز وضع التنوين على الألف، لأن الألف ساكنة، والتنوين ساكن، والساكنان لا يجتمعان).
وهذا تحليل غير مقنع؛ إذ يمكن القول قياسا عليه: (وإذا وضعنا التنوين فوق الحرف السابق، فكأننا وضعنا سكونا قبل الألف، فيجتمع ساكنان أيضا).
أشرق الفصيح بمقدمك أخي اللغوي الأديب سعيد بنعياد!
فحياكم الله بين إخوتك وأخواتك هنا، ومرحبا بك، وعسى أن يطيب لك المقام، ولنعم المقام الفصيح!
أخي إنما أتيت مُرحبا، وشاكرا لك ما نثرته هنا من نقل موثق وتحليل واع كما هي عادتك، وإن كان لي تعليق فإنما يتعلق بعبارتك الأخيرة التي لونتُها باللون الأحمر،
وإني لأرى ذلك التعليل مقنعا لأن الألف والتنوين لا يجتمعان فإذا نونتَ في الوصل حذفتَ الألف، وإذا وقفتَ وقفتَ على الألف وحذفتَ التنوين، وبذلك لا يمكن القول باجتماع الساكنين، وعليه أرى وضع التنوين على الحرف الذي قبل الألف أرجح وأكثر مراعاة لضوابط النطق وصلا ووقفا، وأكثر مراعاة لقواعد التشكيل حيث توضع العلامة فوق الحرف المعنيّ بها أو تحته، فيكون حق التنوين أن يوضع فوق الحرف المنون لا الألف.
تحياتي ومودتي.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[07 - 05 - 2010, 04:06 ص]ـ
رجعت إلى كتاب الطراز شرح ضبط الخراز للتنسي ونقلت لكم توجيه القولين
ثُمَّتَ إنْ أتْبَعْتَها تَنْوينَا ... فزِدْ إلَيْها مِثْلَها تَبْيِينَا
وإن تَقِفْ بألِفٍ في النَّصْبِ ... هُما عَلَيْهِ في أصَحِّ الكَتْبِ
... واختياره لهذا الوجه اقتداء فيه بالداني وأبي داود وهو مذهب أبي محمد اليزيدي وجرى به عمل الجمهور وعليه نقاط المدينة والكوفة والبصرة
ووجهه: أنه لما تقررت ملازمة التنوين للحركة بحيث لا يفترقان وكان الألف علامة التنوين في الوقف استدعى كون علامة التنوين من الحركتين عليه، إذ هي علامة الوصل وهو علامة الوقف، والحرف يستدعي كون حركته فوقه والفرض أن الحركة والتنوين متلازمان فلم يكن بد من تعرية أحدهما وجعل الحركتين على الآخر فاختير جعلهما على الألف محافظة عليه لئلا يتوهم فيه الزيادة إذ لا وجود له في الأصل وتعرية الحرف المحرك لا يتوهم معها سوى احتمال كونه ساكنا وذلك يندفع بالتنوين إذا الجمع بين الساكنين ممتنع ...
وقيل: في الحَرْفِ الذي مِن قَبْلُ ... حَسَبَما اليَوْمَ عَلَيْهِ الشَّكْلُ
... وهذا القول هو مقابل الأصح عند الناظم وهو مذهب الخليل وسيبويه واختيار التجيبي *
ووجهه: أن الحرف المحرك يستدعي حركته لملازمتها له فلزم تبعية علامة التنوين لها إذا لا يفترقان ورجح عندهم الحرف المحرك جريا على الأصل وهو بناءالنقط على الوصل والتمسك بالأصل ما أمكن أولى وأشار الناظم بقوله حَسَبَما اليَوْمَ عَلَيْهِ الشَّكْلُ إلى أن العمل في زمانه جار على هذا القول.
* في الحاشية: وينسب هذا القول إلى النحاة والقول الأول إلى الكتاب وحكاه ابن المنادي عن الخليل ....
¥