تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كنت قد ذكرت أن بعض النحاة قد تكلم على إبدال الظرف من الظرف وإبدال الجار مع مجروره من الجار ومجروره، ولا يفهم من هذا إطلاق الجواز وإنما يجوز الأخذ بهذا الرأي إذا تحققت ضوابط البدل وأهما أن يكون البدل مقصودا بالحكم دون المبدل منه، وأن ينطبق على التركيب أحد أنواع البدل، ومع تجويزهم هذا يجوز أيضا أن يتعلق الظرفان بالعامل الواحد إذا كانا قيدين مختلفين له حيث يكون في الثاني فائدة لا تتحقق بالأول وحده، ويجوز في بعض الحالات أن يقدر للثاني متعلَّقٌ آخر، والحق أنه قلما وُجد ظرفان متطابقين تماما أو كان أولهما غير مقصود تماما إلا في البدل المباين.

وإذا كان ما سبق هو فيما يخص إبدال الظرف من الظرف والجار والمجرور من الجار والمجرور فإني لا أرى إبدال الظرف من الجار والمجرور أو العكس إلا في المباين لأن المقصود هو الثاني دون الأول، وأما ما عدا ذلك فلا يمكن القطع أبدا بمجيء ظرف وجار مع مجروره في تركيب ما والمقصود أحدهما فقط دون أن يكون للآخر فائدة خاصة، وعليه يكون الأوثق عندي إهمال إبدال الظرف من الجار والعكس، ثم التماس وجه آخر مما درج عليه أئمة النحو إلا أن يكون الإبدال على سبيل التباين لِما قدمت.

وأما الشاهدان اللذان ذكرتِهما فأما ثانيهما (إبدال حين من إذا) فهو (على القول بالبدل) معدودٌ من إبدال الظرف من الظرف الذي ذكرتُ أنه مقول به عند بعض أهل العلم، وإن كان الأولى في هذا البيت ألا يقال بالبدلية لأن الشاعر إنما قصد الظرفين معا وأراد معنييهما مجتمعين ولم يرد معنى الإبدال، لأن معنى (إذا ما الحرب ألقت قناعها): حين نشوب الحرب وطلبها إيانا، ومعنى (حين يجفوها بنوها): حين يتقهقر المقاتلون من الناس غيرنا، والمراد أننا حينما تدعونا الحرب نجيب حين يتخلى الآخرون، فالظرفان ـ كما ترين ــ مقصودان ولا إبدال في البيت على الأرجح عندي.

وأما البيت الآخر (إبدال حين من في عهد عاد) فهما متعلقان بماتت وكلاهما مقصود للدلالة على بُعد زمن موتها، وليس في البيت شهادة قطعية على إرادة البدل ما دام الظرفان مختلفين نوعا ومعنى، وليس كل ما كان جزءا من كلٍّ يعرب بدلا، فأنت إذا قلت (وضعت الكتاب في الغرفة فوق الطاولة) لم يكن هذا بدلا مع أن المكان الذي يدل عليه (فوق الطاولة) جزء من (في الغرفة)، لأنك إنما أردت تقييد العامل بقيدين مقصودين معا ولكل منهما دلالته وفائدته.

وأما هذا الرأي أعني إبدال الظرف من الجار والعكس فلم يقل به ــ على حد علمي ــ أحد من الأقدمين ولا ممن تلاهم من الشراح والمحققين الثقات، وإنما قال به الدكتور قباوة في كتابه إعراب الجمل وأشباه الجمل، وهذا الكتاب فيه كثير من الآراء المخالفة لأقوال الأئمة ولست بصدد تتبعها، ولكن مما نحن فيه رأيه الذي يرى فيه أن العامل في التوابع ومنها البدل إنما هو عامل (التبعية) وليس العامل في المتبوع ولا العامل المقدر، وأنها لا تتعلق بشيء، وعلى هذا فهو يذكر حالات لعدم التعلق لم يقل بها غيره، ولأجل هذا توهم في كثير من الظروف التبعيةَ وعدم التعلق، وكثيرا ما يستشهد بما لا شهادة فيه أو بما لا شهادة قطعية فيه، ولعل البيتين من شواهده ولا أرى فيهما شهادة على ما استشهد بهما عليه، وأعجب منهما هذا الاستشهاد على البدل حيث يقول: (وأما نحو قوله تعالى: " أينما تولوا فثم وجه الله" فالظرف ثَمَّ فيه بدل من اسم الشرط لأنه جزء منه) اهـ ص292 يعني أن ثم بدل من أينما وهذا خطأ فادح إذ إن أينما متعلق بالفعل بعده (تولوا) والظرف (ثم) متعلق بالخبر المحذوف للمبتدأ (وجه)، وفي الكتاب غير ذلك مما يستطيع كل من يقرأ كتابه أن يقف عليه بنفسه.

تحياتي ومودتي.

بارك الله فيك أخي الأستاذ علي وزادك علما ونورا، لكن للأسف الشديد كثير من الباحثين ومن أهل العلم يعدونه مصدرا أساسيا وأوليا فينهلون منه ويعلمونه للأجيال، ولا يعلمون تلك الأخطاء التي تفضلت بالإشارة إليها، لذا حبذا لو تذكر تلك المآخذ في الفصيح وتثبتها الإدارة مشكورة حتى يستفيد منها الجميع، وجزيت خيرا.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير