رأيٌ في تاريخُ النحو ...
ـ[المعتمد بن عباد]ــــــــ[31 - 08 - 2005, 12:41 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
ذكر أبن الأنباري في كتابه الإنصاف في مسائل الخلاف " أنَّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ هو واضعُ علم النحو وقد أخذهُ عنه أبو الأسود الدؤلي " , وهذا خلاف الصواب لعدة أسباب هي:
1 - عصرُ أمير المؤمنين الذي كان مليئاً بالحروب والقلاقل السياسية التي لم تعطه الوقت الكافي والفراغ الجيد والجو المناسب حتى ينظر في مسائل علمٍ معقدٍ ودقيقٍ كعلم النحو.
2 - إذا كان هو ـ رضي الله عنه ـ واضعُ هذا العبم وباسط مسائله ومحدد مصطلحاته فأين هي من كتاب سيبويه الذي ألفه بعده بأكثر من مئة عام , لماذا لا نرَ لها أثراً فيه علماً أن هذا المؤلَفُ أول كتابٍ وضع في النحو العربي فمن المستحيل جداً أن يكون صاحبُهُ قد أغفل كلام أمير المومنين , وذلك لما عرفَ عنه من الصلاح والصدق ونسبة الأقوال إلى أهلها , فقد كان إذا ذكر كلاماً لعالمٍ قبله ذكر اسمه ونسب قوله إليه.
3 - النحو علمٌ معقدٌ طويلُ المباحث مُسهبُ الشواهد كثير الإختلاف يعتمد في كثير من مباحثه على التفلسف والتكلف أحياناً وعلى القياس والقاعدة أحياناً أخرى , فلا يمكن لعلي ـ رضي الله عنه ـ أن يكون صاحب هذا العلم المعقد الذي لم تتضح معالمه إلا بعد وفاته رضي الله عنه بعقودٍ كثيرة.
4 - يبدو أنَّ من نسب علم النحو لعلي ـ رضي الله عنه ـ هم غلاةُ الشيعة الذين كانوا ينسبون كلّ شيءٍ لعلي ـ رضي الله عنه ـ مغالاةً فيه وإفراطاً في تعظيمه , وقد عُرِفَ عن مذهبهم تشدده وإفرطُهُ في آل البيت ـ رضي الله عنهم ـ ورفعهم فوق درجتهم التي وضعهم الإسلام فيها , وهذا الأمرُ ظاهرٌ في كتبهم مسموعٌ على ألسنتهم.
وأخيراً أقول:
إن عدم إقتناعي بأن علي ـ رضي الله عنه ـ هو واضعُ علم النحو ليس تقليلا من علمه وفطنته أو غضاً من بلاغته وفصاحته ـ وحشاه من ذلك ـ بل على العكس فقد كان عليٌ ـ رضي الله عنه ـ خطيباً فصيحاً وشاعراً داهيةً عالماً بكلام العرب متمرساً في البيان و البلاغة.
فإذا كان له أي إسهامٍ في نشأةِ النحو فإنه إسهامٌ إجرائي تطبيقي أو تصحيحي على السليقة العربية بعيداً عن القواعد والمصطلحات والنظريات الفلسفية والقياس المعقد الذي لم يظهر إلا في عصور متأخرة.
ويسند ذلك ما روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ عندما قرأ خطأً في رسالة واليه فأرسلَ إليه " أن قنع كاتبك سوطاً " , وهذا يدل على أن اللغة العربية عندهم كانت تسيرُ على وتيرةٍ واحدة وسليقةٍ فصيحة متعارف عليها فإذا جاء ما يخالفها أو يحيد عنها فإنه لحنٌ وسقطةٌ تتمُّ معالجتُها بالطريقة التطبيقية التصحيحية المباشرة بعيداً عن المصطلحات النظرية.
ـ[أبومصعب]ــــــــ[31 - 08 - 2005, 01:30 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أخي الحبيب، الفاضل الأديب، كيف حالكم أخي وأستاذي الكريم، لطالما اشتقت لرؤية كتباتكم ومواضيعكم، وبعد طول زمن ينبعث شعاع نورك من جديد بهذه المشاركة الطيبة، ولطالما استفدنا من مشاركاتكم
ولي ملحظ عليكم أخي الكريم، وهو أن العنوان أكبر بكثير من الموضوع، فهل هي سلسلة حلقات ننتظر فراغك منها، أم أنها مقدمة تطرحونها للنقاش
أرجو التوضيح بارك الله فيكم
محبكم أبو مصعب
ـ[سيبويه السكندرى]ــــــــ[31 - 08 - 2005, 02:15 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزاكم الله خيرا أخانا الفاضل " المعتمد بن عباد " على هذا الموضوع
ـ[أبو ذكرى]ــــــــ[31 - 08 - 2005, 04:46 ص]ـ
أحسنت أخي الحبيب
وهذا ما نعتقده في ذا الموضوع، ومعنى أن أبا الأسود واضع علم العربية أي واضع حروف الإعجام لا علم النحو.
ـ[محمد عبدالله محمد]ــــــــ[31 - 08 - 2005, 11:14 م]ـ
شكرا لك أخي المعتمد بن عباد.
لكن في المسألة كلام طويل يصعب شرحه هنا، ولي على كلامك ملاحظات، منها:
تعميمك في أقوالك، فالنحو الذي وضعه علي رضي الله عنه إنما هو بذور كتاب سيبويه، والكور منه أنه قال: الكلمة اسم وفعل وحرف، ثم أضاف أبو الأسود أبوابا ليس هي كل أبواب النحو، وإنما عشرة أبواب منها، وذكرها دون شواهد واحتجاجات وأقيسة؛ لاحتياج ذلك العصر إلى هذا القدر الضئيل من النحو، أي بحسب الحاجة.
وكل زادت الحاجة زادت الجرعات، حتى قبيل عصر سيبويه حينما أكمل الخليل النحو في صدره لا في طرسه، فجمعه سيبويه في كتابه مع آراء غيره من مشايخه.
وفي كتاب سيبويه كثير من الآراء غير منسوبة، وهي المعلومة من الفن بالضرورة، فلم يقل مثلا: قال أبو الأسود: الأحرف المشبهة بالفعل خمسة وهي إن وأن ... ، بل قال: الأحرف المشبهة بالفعل ... .
فأسس علم النحو أقدم حتى من علي كرم الله وجهه، لكن أول من هم بتدوين هذا العلم هو علي، ثم أمر أبا الأسود بإكماله لعلمه باهتمامه به منذ عهد عمر رضي الله عنهم.
والكلام والاستدلال والأخذ والرد في هذا الباب طويل جدا، وغالبا ما يحيط الغموض بنشأة العلوم، والله تعالى أعلم.
¥