تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[18 - 09 - 2006, 11:39 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى على لسان نبيّه نوح عليه السلام: (وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) [هود: 30]. وإنّ النّظم في هذه الآية الكريمة معتبر اعتبار دِلالات الألفاظ فيه، فلا تأتي كلمة إلا لمعنىً لا تؤدّيه غيرها، ولا يقع تقديم أو تأخير إلا وهو النّظم الذي يستحيل أنْ يسدّ مسدّه نظم آخر أو ترتيب آخر.

أمّا من ناحية دِلالات الألفاظ، فتأمّل قول نوح عليه السلام: (مَن يَنصُرُنِي)؟ فليس من كلمة في اللغة تسدّ في هذا الموضع مسدّ (ينصر). فهو يختلف عن قولنا: "مَن يحميني؟ أو مَن يمنعني؟ "، لأنّ "مَن يحميني أو مَن يمنعني" تعني أنّ الحامي أو المانع أعظم من المحميّ أو الممنوع، ونوح عليه السلام بكونه نبيّاً أعظم منهم جميعاً، أعظم عند الله تعالى وأعظم عند نفسه. أمّا (مَن ينصرني؟) فتعني أنّ المنصور هو الأصل، هو الأعظم، وأنّ الناصرين له هم الفرع، هم الذين دونه في العظمة وفي المنزلة. فكأنّ نوحاً عليه السلام يريد أنْ يُفهَمَ من عبارته هذه أنّه ليس في البشر مَن هو أولى منه بأن يكون القائد، وأنْ يكون ما عداه الأتباع.

أما ترى أنّ الله تعالى قال عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: 157]؟ قال: (ونصروه)، ولم يقل: "وحموه أو ومنعوه"، لأنّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم - ومثله سائر الرسل - هو الأصل، هو القائد، هو الأعظم، أمّا المؤمنون فهم الفرع، والأتباع، والأقلّ عظمة.

ثمّ نلاحظ أنّه قال: (من الله)، وهذا يختلف عن قولنا: "على الله"، لأنّ "على الله" تعني نصرته على مناصبة الله العداء، وتعالى الله على أنْ يكون هدفَ حربٍ من خلقه الضعفاء، وحاشا للأنبياء أنْ يخطر ذلك ببالهم مجرّد خطران. إنّهم أشدّ إعظاماً لربّهم وتيقّناً من عظمته وقدرته التي لا تحدّها حدودٌ في الأرض ولا في السماء، من أنْ يخطر ببالهم مجرّد عصيان ربّهم في القليل بَلْهَ الكثير.

ثمّ نلاحظ أنّه لم يَقُل: "مَن ينصرني من الله (منكم) إنْ طردتهم"، وإنّما أبقى الصيغة عامّة، لأنّهم أهون من أنْ يستنجد بهم، ولأنّه أفضل منهم جميعاً، لأنّ الله تعالى اصطفاه من دونهم لرسالته، ولا شكّ أنّ الرسل أفضل الخلق وأصدقهم وأقربهم إلى العزّة والمروءة والصدق وكلّ مكارم الأخلاق.

ثمّ نلاحظ أنّ قوله: (إنْ طردتهم) يحمل معنى الفرض، أي: افرضوا - من باب الجدل - أنّني طردتهم، فمن يحميني من عقاب الله؟ ومؤدّى هذا الفرض أنّني لن أطردهم ويستحيل أن أفعل ذلك وأنا أراهم رأيَ العين مُفَضّلين عند ربّهم وأنتم أذلاء محتَقَرون عند ربّكم لا تزيدون على أنْ تكونوا أنتم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم.

وأمّا من ناحية التقديم والتأخير في الآية الكريمة، فنلاحظ أنّه قال: (مَن ينصرني من الله إن طردتهم)، وهذا يختلف عن قولنا: "إنْ طردتهم، مَن ينصرني من الله". فالعبارة الأولى تستبعد الطرد وتلغي فكرته إلغاءً، لأنّ الشرط (إن طردتهم) جاء في آخر العبارة، وهذا يُشعر أنّ الشرط جاء كفرض من أجل الجدل. أمّا مجيء الشرط في أوّل العبارة فيوحي بأنّ الشرط قد يؤدّي إلى نتيجة وأنّ عليك أنْ تلتزم بهذه النتيجة، ويوحي بأنّ قائل الشرط إنّما هو "يساوم" وعنده استعداد لقبول نتيجة الشرط، ولو كانت طرد أتباعه المؤمنين. والأنبياء ذوو أخلاق عالية، فلا يخطر ببالهم أنْ ينقلبوا على أتباعهم أبداً.

ثمّ نلاحظ أنّه ختم الآية بقوله: (أفلا تذكّرون)، ولم يقل: "أفلا تعقلون"، لأنّ نوحاً عليه السلام إنّما أراد أن يُذكّرهم بدعوته لهم في أوّل نزول الوحي عليه بقوله: (أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ) [هود: 26]، أي: بدعوته إيّاهم إلى الإيمان بالله وحده وترك عبادة الأصنام. هذه الدعوة التي كرّرها عليهم مراراً، ولو أنّهم تذكّروها لأدركوا أنّ نوحاً عليه السلام لا يفعل شيئاً ويدع شيئاً آخر إلا انطلاقاً من تلك الحقيقة الكبرى وهي طاعته الكاملة لله الواحد الأحد.

إذن لا يملك نوحٌ عليه السلام إلا أنْ يذكّرهم بما بدأهم به بأسلوب لا يخلو من ضيقه بعنادهم ومن تبكيت منه لهم عن طريق صيغة الاستفهام التي خاطبهم بها ومؤدّاها الإيجابيّ: تذكّروا أيّها القوم.

والله أعلم

ـ[أبو طارق]ــــــــ[19 - 09 - 2006, 05:07 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

زادك الله من فضله , وجزاك الله خيراً

ـ[قطرالندى]ــــــــ[19 - 09 - 2006, 08:45 م]ـ

جزاك الله خيرا ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير