تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[درس في علم البيان]

ـ[عمرمبروك]ــــــــ[08 - 01 - 2007, 11:20 م]ـ

دروس في علم البيان

البيان وعلم البيان:

ثمة بيان وثمة علم البيان: أما البيان لغة فإظهارٌ ووضوحٌ، أي إظهار ما في النفس إلى عالم الحس على شرط وضوح الألفاظ في إفصاحها عن مغزاها أو دلالتها على فحواها، فهي ضد الغموض.

وأما البيان اصطلاحاً فقد عُبِّرَ عنه بطرقٍ شتى، نذكر منها ما يأتي:

1. قول الأصمعي: ((البليغ من طبَّق المِفْصَل، وأغناك عن المُفَسَّرِ)) [1] إنا أراد بالبليغ الإنسان المبين عما في نفسه أو المفصح عن مراده، وجعل شرط بلوغه مراده من كلامه إصابة المفصل من مراده حيث تجتمع جهات المعنى المجسم مجازاً التي تشبه مفاصل الإنسان حيث يجتمع الساق والفخذ فلا يصيب جهة منهما دون الأخرى وقوله: أغناك عن المفسر أي أبلغك المراد من دون غموض أو التباس.

2. وقول جعفر بن يحيى ((قال ثمامة: قلت لجعفر بن يحيى: ما البيان؟ قال: أن يكون الاسم يحيط بمعناك، ويُجلي عن مغزاك، وتخرجه عن الشِّركةِ، ولا تستعين عليه بالفكرة. والذي لا بد منه أن يكون سليماً من التكلف بعيداً من الصنعة، بريئاً من التعقدِ، غنياً عن التأويل)) [2] لابد من الإشارة إلى أنه ذكر الاسم وأراد اللفظ، فاشترط للبيان إحاطة اللفظ بالمعنى تاماً غير منقوص. واشترط جلاء المعنى لناظره أو متأمله، وجعل من شروطه اختيار اللفظ غير المشترَك بين معان عدة مثل العين التي تستخدم للباصرة وللرجل الوجيه في قومه فيقال: هو عين من الأعيان، وللجاسوس ولعين الماء الجارية .. الخ واشترط له الطبع بالبعد عن التكلف والصنعة، والبراءة من التعقيد، والاستغناء عن التأويل.

3. وقول الجاحظ متعقباً الكلام المروي عن ثمامة: ((وهذه الصفات التي ذكرها ثمامة بن أشرس قد انتظمها لنفسه، واستولى عليها دون جميع أهل عصره، وما علمت أنه كان في زمانه قروي ولا بلدي، كان بلغ من حسن الإفهام مع قلة عدد الحروف، ولا من سهولة المخرج مع السلامة من التكلف، ما كان بلغه. وكان لفظه في وزن إشارته، ومعناه في طبقة لفظه، ولم يكن لفظه إلى سمعك بأسرع من معناه إلى قلبك)) [3]

فثمامة أخذ كلام جعفر بن يحيى فجعله منهجاً لبيانه فكان يحسن إفهام الناس على إيجاز كلامه؛ ذلك أن الناس طبقات في الفهم يحتاج من يخاطبهم إلى كثرة الكلام لإفهام أعلاهم طبقة وأدناهم طبقة، وكان ثمامة قد أدرك المفصل أي الحد الأوسط بين الطبقة العليا والدنيا، فجمعهما على ذلك المحز، فكان كلامه وجيزاً من غير إخلال بالمعنى، ولا مخالفة لمقتضى الحال. وكان كلامه موصوفاً بحسن المخارج أي لا تنافر بين حروف الكلمة المفردة، ولا بين الكلمات المتجاورة في نظام الجملة العربية. وكان كلامه سليماً من التكلف في دوافعه كما أنه سليم التكلف في أدائه أو طرائق نطقه، فهو خال من التنطع والتكلف. وكانت ألفاظه في ثقل معانيه أي مناسبة لها، وفي طبقة لفظه، أي أن هناك تشاكلاً بين ألفاظه ومعانيه فهو يجعل اللفظ الشريف للمعنى الشريف، ويضع اللفظ السخيف للمعنى السخيف، ويجعل لكل حال أو موقف ما يناسبه، ومن جهة الإفهام فإن معانيه تسبق ألفاظه إلى قلب مستمعه.

4. وقول الجاحظ: ((البيان: اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير حتى يُفضِيَ السامع دون حقيقته، ويهجمَ على محصوله كائناً ما كان ذلك البيان، ومن أي جنس كان ذلك الدليل؛ لأن مدار الأمر والغاية التي إليها يجري القائل والسامع إنما هو الفهم والإفهام فبأي شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع)) [4] أما الجاحظ فقد اعتصر الكلام السابق وجعله في سياق حركة الكلام بين القائل (منبع الكلام) والسامع (متلقي الكلام) والكلام من شروطه البيان والإبانة. فالبيان عند الجاحظ هو اسم لكل لفظ أفصح عن معانيه، ومنع الحواجز بين المعاني ومتلقيها من السامعين على جهة الحاجة إليها، وجعل المسألة بين فهم القائل لمراده ومقصده واختياره وسيلة التبليغ المناسبة وإفهام السامع المراد من اللفظ، فكأنه يقول إن إفهام السامع مربوط بحدود فهم القائل؛ لأن كلامه سيحمل فهمه إلى سامعه أو متلقيه، وسيكون واضحاً لسامعه بحدود وضوحه لقائله. ولو كان الكلام مطلقاً من غير اختيار القائل والسامع لكُسِرتْ مقولة الجاحظ بقولهم: رب سامع أوعى من حامل أي كلامه أو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير