[لمحة قرآنية]
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[14 - 10 - 2006, 03:02 ص]ـ
:::
السلام عليكم
[لمحة قرآنية]
لو أمعنا النظر في القرآن الكريم نجد أنًَّ القرآن الكريم يراعي عند الكلام تعبيرات يقصد منها مراعاة الأدب العالي. فتجد أنه في باب النداء أتى بالنداء من الله تعالى للعباد، ومن العباد لله تعالى، إما حكاية وإما تعليما. فحين أتى بالنداء من قبل الله للعباد جاء بحرف النداء المقتضي للبعد ثابتاً غير محذوف ليشعر العبد ببعده كقوله تعالى (يا عبادي الذين آمنوا أن ارضي واسعة) (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) (يا أيها الناس) (يا أيها الذين آمنوا). هذا بالنسبة لنداء الله للعباد. أما بالنسبة لنداء العباد لله فقد أتى بالنداء مجرداً من الياء كقوله تعالى (ربنا لا تؤاخذنا أن نسينا أو أخطانا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان) (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) (قال عيسى بن مريم اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء). فهذه كلها مجردة من الياء المشعرة بالبعد ليشعر العبد أن الله قريب منه ولأن الياء تفيد التنبيه فالعبد في حاجة للتنبية عند النداء، والله تعالى ليس كذلك.
وأيضا فان مراعاته التعبيرات التي يقصد منها مراعاة الأدب العالي قد سار فيها القرآن في موضوع إتيان الرجل زوجته باستخدام الكناية بدل التصريح في الأمور التي يستحى من ذكرها والتصريح بها، كما كنى عن الجماع باللباس والمباشرة قال تعالى (هن لباس لكم وانتم لباس لهن) وقال تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) وكنى عن قضاء الحاجة بقوله (وكانا يأكلان الطعام).
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[14 - 10 - 2006, 03:53 ص]ـ
ماذا يمكن أنْ يُقال في حضرة هذا الأدب القرآني العالي؟ فهو بحر لا ضفاف له ..
شكراً أستاذ موسى لحضورك بيننا ..
وشكراً لهذه المعاني التي تساوقت فيها حكمة القرآن العالية ..
وكلّ الشكر لك وأنت تُعلي شأن القرآن العظيم، وتشنّف السمع ببيانه ..
ونأمل بمزيد من هذه الدرر التي تثلج الصدر وتريح الفكر في واحة تحتضن أسمى الحقائق القرآنية ..
ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 10 - 2006, 07:28 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
وأحيانا يقتضي المقام ذكر اللفظ الصريح دون كناية، كأن يكون المقام: مقام استقباح، فيكون من تمام الزجر قرع سمع الفاعل باللفظ الصريح، كما في قوله تعالى: (أحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)، فكلمة "الرفث" صريحة فيما يحدث بين الرجل وأهله.
وإلى ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله:
والرفثُ كنايةٌ عن الجماع لأنه لا يكاد يخلو من رفث، وهو الإفصاحُ بما يجب أن يكنَّى عنه، وعُدِّي بإلى لتضمُّنه معنى الإفضاءِ والإنهاء، وإيثارُه ههنا لاستقباح ما ارتكبوه ولذلك سمِّي خيانةً وقرىء الرُفوث.
وللزمخشري، غفر الله له، كلام مشابه.
والأصل كما قال الأخ، موسى، حفظه الله، أن يكنى عما يستقبح ذكره، فالجماع، على سبيل المثال، يكنى عنه بـ:
بألفاظ:
المباشرة، من باشر الرجل أهله، إذا جامعها، كما في المحيط، وتطلق المباشرة، أيضا، على ما دون الجماع مما يكون من مقدماته.
والملامسة: وهي المس برفق، كما في المحيط، وفي التنزيل: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ)، خلافا للشافعية، رحمهم الله، الذين حملوا الملامسة هنا على مجرد اللمس، فأوجبوا الوضوء من مس النساء، وأجاب شيخ الإسلام، رحمه الله، بأن "الملامسة" من "المفاعلة"، وهي لا تكون إلا من اثنين، خلاف المس الذي يكون من واحد.
والإتيان: وهو من أكثر الألفاظ ورودا في كتب السنة وشروحها، من أتى الرجل أهله إذا جامعها، كما ذكر صاحب اللسان، رحمه الله، وفي البخاري: (لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا)
و"التغشي" من: "تَغَشَّى النَّائِمُ": إذا تَغَطَّى، كما ذكر صاحب اللسان، رحمه الله، فكأن مخالطة الرجل لأهله تشبه تغطي النائم بثوبه، فكل منهما لباس لصاحبه حسا ومعنى، وفي التنزيل: (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا)
و "الملابسة": لما يكون بين الزوجين من المخالطة، كما أشار إلى ذلك أبو السعود بقوله:
وجُعل كلٌّ من الرجل والمرأة لِباساً للآخرَ لاعتناقهما واشتمال كلَ منهما على الآخر بالليل قال:
إذا ما الضجيعُ ثَنَى عِطفَها ******* تثنَّتْ فكانت عليه لِباساً
و "الدجو"، من دجا الليل الكائنات إذا: أَلْبَسَ كلَّ شيءٍ، و دجا الرجل أهله إذا جامعها.
و "الإفضاء": من أفضى الرجل إلى أهله إذا خلا بها، وفي التنزيل: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَه وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلىَ بَعْض)، أي: على أي حالٍ أو في أي حالٍ تأخُذونه والحالُ أنه قد جرى بينكم وبينهن أحوالٌ منافيةٌ له من الخَلْوة وتقرُّرِ المَهرِ وثبوتِ حقِّ خِدْمتِهن لكم وغير ذلك. اهـ، من كلام أبي السعود.
فهذه ألفاظ سبعة كني بها عن فعل الجماع استقباحا لذكره، وهي أحد أدلة القائلين بوقوع المجاز في كلام الشارع، عز وجل، وموضوع الكناية عما يستقبح ذكره في نصوص الشريعة من المواضيع الثرية التي تستحق الاهتمام، والله أعلى وأعلم.
¥