تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تزي بزي عبد القاهر الجرجاني واشرح قوله إن كنت!]

ـ[أحمد الفقيه]ــــــــ[14 - 02 - 2007, 11:50 م]ـ

إخوتي أهل البلاغة أعضاء الفصيح لعلكم قرأتم في كتاب دلائل الإعجاز مقولة إمام البلاغيين وشيخهم الشيخ عبد القاهر الجرجاني وهي: (ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تؤنسك في موضع، ثم تراها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر كلفظة "الأخدع" في بيت الحماسة:

تلفت نحو الحي حتى وجدتني * وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا

وبيت البحتري:

وإني وإن بلغتني شرف الغنى * وأعتقت من رق المطامع أخدعي

فإن لها في هذين المكانين مالايخفى من الحسن،

ثم إنك تتأملها في بيت أبي تمام:

يا دهر قوم من أخدعيك فقد * أضججت هذا الأنام من خرقك

فتجد لها من الثقل على النفس، ومن التنغيص والتكدير، أضعاف ما وجدت هناك من الروح والخفة، ومن الإيناس والبهجة.) أهـ صـ"46 - 47"

سؤالي يا أرباب البلاغة لماذا استهجن عبدالقاهر بيت أبي تمام واستحسن بيتي الحماسة والبحتري علما أن أبا تمام قد أجاد في الاستعارة؟

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[15 - 02 - 2007, 03:26 ص]ـ

مرحباً بك أخي الفاضل أحمد، ونشكر لك هذه المشاركة الرائعة العالية ..

وبيانها أنّ البلاغيين لم يغفلوا صورة الألفاظ وبنائها من حيث كونُ حروف بعضها أخفّ من بعض، وامتزاج بعضها أحسن من بعض .. وهذا المبحث يدخل في فنّ رفيع الشأن، ينظر في اختلاف صيغ الألفاظ واتفاقها، وخلاصته - كما يقول ابن الأثير أنّ الألفاظ "إذا نُقلت من هيئة إلى هيئة، كنقلها من وزن من الأوزان إلى وزن آخر، أو كنقلها من صيغة الاسم إلى صيغة الفعل، أو من صيغة الفعل إلى صيغة الاسم، أو كنقلها من صيغة الماضي إلى المستقبل، أو من المستقبل إلى الماضي، أو من الواحد إلى التثنية أو إلى الجمع ... أو إلى غير ذلك، انتقل قبحها صار حسناً، وحسنها صار قبحاً" ..

ومن ذلك الثقل الذي استشعره الجرجاني على سمعه في لفظة (أخدعيك)، إذ ليس سببه إلا أنّها جاءت مثنّاة في بيت أبي تمّام، في حين أنّها جاءت مفردة في بيتي الحماسة والبحتري .. فكانت حسنة في حالة الإفراد، مستكرهة في حالة التثنية، وإن كانت اللّفظة واحدة ..

والأمثلة على هذا النوع من الاختلاف في الصيغ كثيرة، وقد بسطها أهل الفصاحة البلاغة في مؤلّفاتهم .. كما أنّهم كشفوا الستار عن بعض الأسرار في صيغ الألفاظ في القرآن الكريم .. حيث يلاحظ أنّ من الألفاظ ما لم يأتِ في القرآن إلا مجموعاً، ولم يستعمل منها صيغة المفرد، كالألباب والأكواب والأرجاء .. أو الصيغ التي لم تأت فيه إلا بصيغة المفرد، كالأرض مثلاً ... وجعلوا من أسباب ذلك أنّ هذه الصيغ خفيفة على النطق وليست بمستثقلة ولا مكروهة بطبيعة وضعها أو تركيبها ..

هذا من ناحية الاختلاف في صيغة اللفظ، وأما ما يخصّ الاستعارة فهي مستهجنة في بيت أبي تمّام لأنّه جعل للدهر أخدعاً .. يقول الخفاجي في سرّ الفصاحة: "وقوله فيما بعد: إنّ أبا تمّام قال - يا دهر قوم من أخدعيك - لما رآهم قد استجازوا أن ينسبوا إليه الجور والميل، وقالوا قد أعرض عنّا، وأقبل على فلان وجفانا، والميل والاعراض إنّما يكون بانحراف الأخدع وازورار المنكب، كلام لا يغني عن أبي تمّام شيئاً، لأنّا قد ذكرنا أنّ الاستعارة إذا بُنيت على استعارة قبُحت وبعُدت، والواجب أن تكون لها حقيقة ترجع إليها بلا واسطة .. وإذا كان الأمر على هذا وكان قولهم عن الدهر قد أعرض عنّا وأقبل على فلان استعارة ومجازاً بغير شكّ ولم يحسن أن يجريه مجرى الحقيقة، ونبنى عليه أمراً بعيداً حتى نجعل للدهر أخدعاً لأجل قولهم إنّه قد عرض عنا وانحرف. .

ويقال للقاضي أبي الحسن: هل تجيز: هي تجيز لبعض المحدثين أن يبني استعارة أخرى على الأخدع في الدهر، لأنّ أبا تمام قد استعمل ذلك ويبني غيره على قول هذا المحدث استعارة أخرى بعيدة، ويؤوّل هذا إلى ما لا نهاية له، حتى يفسد الكلام، وتختلّ العبارة، ويذهب التمييز في الوجوه المحمودة والذميمة، فإن أجاز ذلك بان فساد قوله لكافّة العقلاء، وإن امتنع منه وقال لا بدّ للاستعارة من حقيقة يرجع إليها، ويكون بينهما شبه ظاهر وتعلّق وكيد، قيل له: فبهذا نخاطبك، وله قطعنا على قبح استعارة أبي تمام للدهر أخدعا، فأعرض الآن عن هذا التعليل منك بالباطل جانباً، فإنّه غير لائق بك، وبمن يجري مجراك من أهل العلم بهذه الصناعة .. ثمّ ما الفرق بينك فيما ذكرته، وبين من عذر القائل: باض الهوى في فؤادي، وفرخ التذكار .. وقال لما كانت العادة جارية في الهوى أن يُقال حلّ في الفؤاد وأقام، وليس بزائل ولا ذاهب، وكان الطائر ذو البيض أو الفراخ شديد المقام على وكره، والإلف له والحنين إليه ترخص بأن استعار للهوى باض وللتذكار فرخ، كناية عن مقامهما وثباتهما في فؤاد، وتشبيهاً بما ذكرناه من حال الطائر فإن ادّعى صحّة هذا التخريج، وألحقه بما ذكره في بيت أبي تمام وجب الإمساك عنه، وإن أفصح بخلافة للعلّة التي بيّناها، فهي موجودة في الأبيات التي ذكرها على أنّه قال في آخر كلامه: إنّ هذه أمور لا تحمل على التحقيق، ولا يتبع فيها الرخص، ثمّ حملها على أشد الرخص إحالة وفساداً " أ. هـ ..

ودمتم ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير