[الموجز في تاريخ البلاغة " الفصل الثاني" ظواهر بلاغية في العصر الجاهلي]
ـ[معاوية]ــــــــ[28 - 10 - 2006, 01:30 م]ـ
التمهيد ( http://www.alfaseeh.net/vb/showthread.php?t=14287)
الفصل الأول ( http://www.alfaseeh.net/vb/showthread.php?t=14810)
الفصل الثاني
ظواهر بلاغية في العصر الجاهلي
أ ـــ ما تحدث تاريخ أمة من الأمم بما تحدث به تاريخ العرب من حب هؤلاء القوم للغتهم، وعنايتهم بشأنها، واحتفائهم بها.
لقد أحلَّ العرب لغتهم من حياتهم المحل الأول، فكان لا يكون العربي في نظرهم كاملاً ما لم يبلغ من لسانه الغاية، وكان من يبلغ بلغته نثرًا أو نظمًا منزلة رفيعة من الخطابة والشعر تبلغ به لغته منزلة أرفع بين قومه وأبناء عشيرته، وهو بلغته تلك الرفيعة البليغة يبلغ بقومه أو عشيرته مبلغًا عظيمًا بين القبائل والعشائر .. ولذلك كانوا إذا نبغ منهم شاعر أو خطيب أولموا له واحتفوا به وجعلوه عيدًا لهم وفخرًا.
وهذا الاحتفاء العظيم باللسان يفسّر لنا لماذا كان أهل اللسان من خطباء وشعراء ورؤساء الوفود عند العرب وسفراءهم وممثليهم .. وهم عندهم أهل الرأي والشورى.
ولم يكن حب البلاغة مقصورًا على فئة خاصة منهم. وإنما كان طبع العرب كافة. إنه أقرب إلى أن يكون غريزة فيهم أو فطرة فطروا عليها، وهو أعمق وأعم من أن يكون صفة لطائفة معينة منهم، بل لقد شاع حتى بين عامتهم، وشارك فيه نساؤهم وأطفالهم، وما أكثر ما روي عن نسائهم وأطفالهم من أقوال وأجوبة بلغت من البلاغة مبلغًا جعلها تسير حتى يومنا هذا مسير المثل والحكمة.
واستمر ذلك فيهم، وتسلسل في ذراريهم، حتى بدأ اختلاطهم بغيرهم، وبدأت سلائق أهل المدن تضعف وتفسد، فخافوا على سلائق أولادهم، فأخذوا يبعثون بهم إلى البادية ليظلوا في حجر العربية الصرف البعيد عن كل شائبة.
ب ــ إن طبيعة الحياة العربية قبل الإسلام كانت طبيعة ذات صلة خاصة باللغة وبلاغتها وفصاحة بيانها؛ وذلك أنها كانت حياة قائمة على التفاخر والتكاثر بالأنساب والأجداد والمآثر والأيام ... والشعر هو الديوان الذي كانوا يفزعون إليه ليسجلوا فيه كل تلك المفاخر .. ولا بد للشعر والشاعر من لغة تفصح وتبين لترفع أو تحط، وتُعلي أو تضع .. فاللغة إذا سلاح القوم وآلتهم في ميدان الفخر والشرف.
ـ[معاوية]ــــــــ[02 - 11 - 2006, 05:55 ص]ـ
ج ــ كانت للعرب أسواقهم الأدبية التي يقيمونها في مواسم معيّنة يستعدّون لها ويتوافدون إليها من كل حدب وصوب، وكانت عدة كل منهم في تلك الأسواق لسانه" يحمل إلى السوق التهامي والحجازي والنجدي والعراقي واليمامي واليمني والعماني كلُّ ألفاظ حيّه ولغة قطره فما تزال عكاظ بهذه اللهجات نخلاً واصطفاء حتى يتبقى الأنسب الأرشق، ويطرح المجفو الثقيل" (1).
(1) أسواق العرب: 242.
ـ[معاوية]ــــــــ[03 - 11 - 2006, 09:21 م]ـ
تابع ــ ج ــ وأسواق العرب تلك أشبه بمؤتمرات أدبية أو معارض لسانية تخرج القبيلة فيها عن عزلتها، ويسود فيها جوّ من فصاحة اللسان ونصاعة البيان، وهي أسواق عرف العرب فيها أولَ نوع من أنواع الوحدة. وهي وحدة اللغة الأدبية التي انمحت أمام جودتها وفصاحتها لغاتُ القبائل المحلية، فلم تظهر فيها كشكشة ولا عنعنة ولا طمطمانينة .. وإنما كانت لغة مختارة منتقاة عرفتها القبائل يوم عرفت قريشًا، وقريش أوسع القبائل نفوذا، وأكثرها نشاطًا؛ فإلى أرضها يحج العرب، وإليهم في بلادهم من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب تصل قوافلها وتجارتها في رحلتي الشتاء والصيف.
ـ[معاوية]ــــــــ[05 - 12 - 2006, 01:48 م]ـ
تابع ــ ج ــ وكان للغة قريش أوفى نصيب في اللغة التي اختارها العرب لغةً لأسواقهم الأدبية ولغتهم الموحدة.
يقول الأستاذ سعيد الأفغاني بعد أن يعدد أحداثًا مما يجري في عكاظ من سياسة ومنافرة وحرب وتجارة وأدب: " .. والآن تستطيع أن تفهم لمَ يعدّ مؤرخو الأدب عكاظ في أول ما وحّد لهجات القبائل العربية قبل نزول القرآن الكريم بأكثر من قرن، وهيّأ لقريش خاصة تلك الزعامة والتحكم في اللغة والانتقاء فسلمت من عيوب اللهجات" (1).
(1). أسواق العرب: 290.
ـ[معاوية]ــــــــ[06 - 12 - 2006, 04:28 م]ـ
د ــ لو لم تكن لغة القرآن هي نفسها اللغة الموحدة التي تعارفوا عليها قبل نزوله، لما كان هناك وجه للتحدي الصارخ الذي واجههم به، أو أن هذا التحدي كان للقبيلة التي نزل بلسانها ... وبذلك كانت كل قبيلة غيرها تستطيع أن تكون بعيدة عن التحدي غير مقصودة به، إذ أنه أُنزل بلغة غير لغتها ولحن غير لحنها ... ولقد سمعنا التحدّي وسمعناه شديدًا معادًا مكررًا ـ على نحو ما سنرى بعد قليل ـ ولم نسمع أن أعرابياً واحداً من أية قبيلة ردَّ على التحدي أو صرفه عنه بمثل هذا القول. إن للتحدي وجهاً واحداً لا يزول عنه، ولا يقوم من دونه، وذلك بأن تكون لغة القرآن التي بها نزل هي لغة العرب التي كانوا بها يتكلمون.
¥