في ظلال الجمال البياني للآية: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتية.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[04 - 10 - 2006, 03:12 ص]ـ
{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ. سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} - الحاقة: 6 - 8
سنقف قليلا عند الكلمة القرآنية (صرصر).
تكرر مجيء هذه الكلمة ثلاث مرات في بيان ما حل على قوم عاد من عذاب شديد أبدادهم عن بكرة ابيهم بسبب كفرهم بالله وعنادهم.
{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ. إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (. تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ.} القمر: 17 - 19
{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ. فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ.} فصلت: 15 - 16
جرس المفردة صرصر يكشف عن نوع هذه الروح القوية, ففي هذا اللفظ إيحاءات معنوية وإيقاع لفظي متناسق مع المشهد المروع الذي وصفه القرآن الكريم بما يحمل من صور مهولة مروعة.
{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ.}
إننا أمام مشهد مروع حافل بالاستهوال والاستعظام لماهية هذا الحدث العظيم, وجاءت الكلمة صرصر, لتكشف لنا في جرسها اللفظي هذه الصورة المهولة.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[04 - 10 - 2006, 03:17 ص]ـ
للمفردة صرصر معنيان:
الأول: الريح العاصفة التي يكون لها صرصرة, أي دوي في هبوبها من شدة سرعة تنقلها.
الثاني: الريح الباردة, التي كرر فيها البرد وكثر, فهي تحرق بشدة بردها.
وقال صاحب المفردات: " وقوله: {ريحا صرصرا}، لفظه من الصر، وذلك يرجع إلى الشد لما في البرودة من التعقد. " (1)
في اللسان: " ريح صِر وصَرصر: شديدة البرد, وقيل شديدة الصوت. الزجاج في قوله تعالى: {بريح صرصر} قال: الصِّر و الصِّرة شدة البرد. " (2)
قال ابن السكيت: {ريح صرصر} فيه قولان:
يقال أصلها صَرّر من الصِّر, وهو البرد فأبدلوا مكان الراء الوسطى فاء الفعل, كما قالوا تجفجف الثوب وكبكبوا, وأصله تجفف و كببوا.
ويقال: هو من صرير الباب ومن الصَّرة وهي الضجة. (3)
عاتية:
عاتية: أي أن الريح شديدة العصف, حيث أنهاعتت على قوم عاد فلم يستطيعوا ردها بأي وسيلة كانت كالاختباء والاختفاء في الجبال أو البناء, حيث كانت الريح من القوة بمكان كبير أنها تنزعهم من أماكنهم, فلم يستطيعوا الوقوف أمام قوتها العاتية.
أصل الكلمة من العتو والعتي وهو شدة التكبر.
في اللسان: عتا يعتو عتوا وعتيا: استكبر وجاوز الحد. العتو: التجبر والتكبر. (4)
تعتبر " عاتية " وصف آخر للريح, ويوجد تناسق محكم بين مجيء هاتين المفردتين - صرصر و عاتية - جنبا إلى جنب, للتعبير عن هول المشهد الموصوف.
في هذا التعبير القرآني استعارة, حيث استعير الشيء المتجاوز الحد المعتاد تشبيها بالتكبر في عدم الطاعة والجري على المعتاد, أي التمرد على القانون المألوف للرياح, فهذه الرياح عاتية من حيث عدم خضوعها للنظام الطبيعي المعروف للريح, ولذا لم تقف أمامها أي قوة.
تلاؤم اللفاظ ومعانيها من أجلى المعاني البلاغية التي ندركها بكل جلاء في هذه الآية الشريفة.
--
هوامش:
(1) المفردات للراغب الأصفهاني.
(2) و (3) اللسان, مادة صرر.
(4) اللسان, مادة عتا.
ـ[محمد ماهر]ــــــــ[04 - 10 - 2006, 11:02 ص]ـ
جزاكم الله خيراً على هذه الدرر الرائعة ونرجو المزيد منها ...
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[05 - 10 - 2006, 12:29 ص]ـ
الأستاذ الفاضل حجّي إبراهيم - حفظه الله ..
شكر الله لكم هذه الدرر ..