[المشاكلة في بيت السيدة خديجة]
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[31 - 01 - 2007, 12:30 م]ـ
المشاكلة في اللغة: المشابهة والمماثلة ..
وفي الاصطلاح: ذكرُ الشيء بلفظٍ غيرِه لوقوعه في صُحبته ..
أمثلة:
قول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يَجهَلَنْ أحدٌ علينا ... فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا
حيث سمّى تأديب الجاهل على جهله جهلاً من باب المشاكلة، مع أنّ التأديب والعقاب ليسا من الجهل .. والمراد من الجهل هنا السّفَهُ والغضب المنافي للحُلم وما ينتج عنه من أعمال غير حميدة ..
وقول ابن الرّقعمق:
قالوا: اقْتَرِحْ شيئاً لكَ طَبْخَهُ ... قلتُ: اطبُخوا لي جُبَّةً وقميصاً
حيث طلب طبخ جبّة وقميصٍ على سبيل المشاكلة، لطلبهم أن يطبخوا له شيئاً يأكله، ودلّ بهذا على أنّه بحاجة إلى ما يلبَسه ..
ومن الأمثلة القرآنية التي جاءت على المشاكلة، قوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [البقرة: 194] .. فإنّ مقابلة الاعتداء بمثله لا يُسمّى في الأصل اعتداءً، ولكن سوّغ هذا الإطلاق داعي المشاكلة، وليعطي اللفظ معنى المماثلة في تطبيق العقوبة دون زيادة، لأنّ معنى كلمة (اعتدى) في الأصل تجاوز حدود الحقّ، ومن العدل أن يُقابَل التجاوز بتجاوز مماثل له ..
ومن المشاكلة البديعة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أُمرتُ أن أبشّر خديجة ببيتٍ في الجنّة مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فيهِ ولا نَصَب" (السلسة الصحيحة) ..
شرح المفردات:
قصب: بفتح القاف والصاد يعني: قصب اللؤلؤ ..
لا صخب فيه: أي لا اضطراب ولا ضجّة ولا صياح ..
ولا نصب: أي لا يكون لها ثمّ تشاغل يشغلها عن لذائذ الجنّة ولا تعب ينغصها ..
ففي هذا الحديث الشريف مشاكلة بديعة ومطابقة بين الجزاء في الآخرة المترتّب على العمل الصالح في الدنيا، حيث يكون الجزاء من جنس العمل ..
التوضيح: قال الرسول عليه الصلاة والسلام "ببيت"، ولم يقل: بقصر، ولذلك معنى لائق بصورة الحال، وهو أنّ أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها كانت أوّل من بنى بيتاً في الإسلام، ولم يكن على ظهر الأرض بيت إسلام إلا بيتها .. ولذلك ذُكر جزاء الفعل بلفظ الفعل ..
ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن كسا مسلماً على عُرى، كساه الله من حلل الجنّة، ومَن سقا مسلماً على ظمأ، سقاه الله من الرحيق" .. وقوله أيضاً: "مَن بنى لله مسجداً بنى الله له مثله في الجنّة" .. حيث لم يرد مثله في كونه مسجداً، ولا في صفته، ولكن قابل البنيان بالبنيان، كما بنى يُبنى له، كما قابل الكسوة بالكسوة، والسقيا بالسقيا، فهاهنا وقعت المماثلة، لا في ذات المبنيِّ أو المكسو .. وإذا ثبت هذا، فمن هاهنا اقتضت الفصاحة أنْ يعبّر عمّا بُشّرَت به السيدة خديجة رضي الله عنها بلفظ البيت، وإنْ كان فيه ما لا عين رأته، ولا أذن سمعته، ولا خطر على قلب بشر ..
أمّا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صخب فيه ولا نصب"، فإنّه أيضاً من باب ما كُنّا بسبيله، لأنّه عليه الصلاة والسلام دعاها إلى الإيمان فأجابته عفواً، ولم تحوجه إلى أنْ يصخب كما يصخب البعل إذا تعصّت عليه حليلته، ولا أنْ ينصب، بل أزالت عنه كلّ نصب، وآنسته من كلّ وحشة، وهوّنت عليه كلّ مكروه، وأراحته بمالها من كلّ كدٍّ ونصب، فوصف منزلها الذي بُشِّرَت به بالصفة المقابلة لفعالها وصورته ..
وأما استخدام كلمة (قصب) في وصف البيت دون غيرها من الأوصاف، كاللؤلؤ مثلاً، فمراعاة للمشاكلة في نيلها قصب السّبق إلى الإيمان دون غيرها من الرجال والنسوان، والعرب تسمّي السابق محرزاً، قال الشاعر:
مشى ابن الزبير القهقرى وتقدّمت ... أميّة حتى أحرزوا القصبات
وذكر ابن حجر - رحمه الله - في القصب مناسبة أخرى، وذلك من جهة استواء أكثر أنابيبه، فكان لخديجة رضي الله عنها من الاستواء ما ليس لغيرها، إذ كانت حريصة على رضاه صلى الله عليه وسلم بكلّ ممكن، ولم يصدر منها ما يغضبه كما وقع لغيرها ..
وهكذا وقعت المشاكلة في جميع ألفظ الحديث الشريف ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[31 - 01 - 2007, 12:45 م]ـ
أكرمك الله أخي لؤي على حسن رعايتك لمصطلحي المشاكلة والمماثلة، ومعالجتهما بالقرائن والأسيقة، تنويعا وتثبيتا 00
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[31 - 01 - 2007, 01:48 م]ـ
بارك الله فيك أخي مغربي، وأحسن إليك ..