تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الموجز في تاريخ البلاغة " الفصل الأول " البلاغة عند العرب]

ـ[معاوية]ــــــــ[03 - 10 - 2006, 02:00 م]ـ

رابط تمهيد ( http://www.alfaseeh.net/vb/showthread.php?t=14287)

الفصل الأول

البلاغة عند العرب

سئل العَتَّابي (1): ما البلاغة؟ فقال: كلّ من أفهمك حاجته من غير إعادة ولا حُبسة ولا استعانة فهو بليغ .... فقيل له: قد عرفنا الإعادة والحبسة، فما الاستعانة؟ قال: أما تراه إذا تحدّث قال عند مقاطع كلامه: يا هَناه. ويا هَيه، واسمع مني، واستمع إليَّ، وافهم عني، أوَ لست تفهم، أوَ لست تعقل. فهذا كله وما أشبهه عيٌّ وفساد (2).

وتحدّث الجاحظ غير مرة عن البلاغة إلا أنه قال: قال بعضهم ـ وهو من أحسن ما اجتبيناه ودوناه ـ: لا يكون الكلام بمستحقٍ اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظَه؛ فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك (3).

1 ـ هو كلثوم بن عمرو من شعراء العباسيين، وكانت له حظوة عند الرشيد والبرامكة.

2 ـ البيان والتبيين 1/ 113.

3 ـ البيان والتبيين 1/ 115.

ـ[معاوية]ــــــــ[04 - 10 - 2006, 01:18 ص]ـ

وشرح كلمة العتابي فقال: والعتابي حين زعم أن كل من أفهمك حاجته فهو بليغ، لم يعن أن كل من أفهمنا من معاشر المولَّدين قصده ومعناه بالكلام الملحون والمعدول عن جهته والمصروف عن حقه، أنه محكوم له بالبلاغة كيف كان، بعد أن نكون قد فهمنا عنه، ونحن قد فهمنا عن النبطي الذي قيل له: لم اشتريت هذه الأتان؟ قال: أركبها وتلَد لي (1). وقد علمنا أن معناه كان صحيحًا .... فمن زعم أن البلاغة أن يكون السامع يفهم معنى القائل، جعل الفصاحة واللكنة، والخطأ والصواب، والإغلاق والإبانة، والملحون والمعرب، كله سواءً وكله بيانًا، وكيف يكون ذلك كله بيانًا؟ ولولا طول مخالطة السامع للعجم وسماعه للفاسد من الكلام لما عرفه. ونحن لم نفهم عنه إلا للنقص الذي فينا. وأهل هذه اللغة وأرباب هذا البيان لا يستدلون على معاني هؤلاء بكلامهم، كما لا يعرفون رطانة الرومي والصقلي، وإن كان هذا الاسم إنما يستحقونه بأنا نفهم عنهم كثيرًا من حوائجهم، فنحن قد نفهم بحمحمة الفرس كثيرًا من حاجاته، ونفهم بصغاء السنور كثيرًا من إرادته، وكذلك الكلب والحمار والصبيّ الرضيع.

وإنما عنى العتّابي إفهامك العربَ حاجتَك على مجاري كلام العرب الفصحاء. وأصحاب هذه اللغة لا يفقهون قول القائل منا، " مكرهٌ أخاك لا بطل " و " إذا عزّ أخاك فهُن " ومن لم يفهم هذا لم يفهم قولهم: ذهبت إلى أبو زيد، ورأيت أبي عمرو. ومتى وجد النحويون أعرابيًّا يفهم هذا وأشباهه بهرجوه ولم يسمعوا كلامه؛ لأن ذلك يدلّ على طول إقامته في الدار التي تُفسد اللغة وتنقُص البيان. لأن تلك اللغة إنما انقادت واستوت، واطردت وتكاملت بالخصال التي اجتمعت لها في تلك الجزيرة وفي تلك الجيرة، ولفقد الخلطاء من جميع الأمم (2).

(1) يعني أنه لفظها مفتوحة اللام والصواب كسرها.

(2) البيان والتبيين 1: 161 ـ 163.

ـ[معاوية]ــــــــ[05 - 10 - 2006, 12:54 م]ـ

وقال ابن المقفع: " لا خير في كلام لا يدلّ على معناك، ولا يشير إلى مغزاك (1) ". وقال بشر بن المعتمر ـ وهو أحد بلغاء المعتزلة ـ: " ... والمعنى ليس يشرف بأن يكون من معاني الخاصّة، وكذلك ليس يتَّضع بأن يكون من معاني العامّة. وإنما مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال ... " (2) وقال: " ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني، ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحالات فيجعل لكل طبقة من ذلك كلامًا. ولكل حالة من ذلك مقامًا، حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني، ويقسم أقدار المقامات، وأقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات" (3).

وذكر الجاحظ إجماعهم على مذمّة التكلُّف فقال: ومدار اللائمة ومستقر المذمّة حيث رأيت بلاغة يخالطها التكلُّف (4).

(1) البيان والتبيين 1: 116.

(2) البيان والتبيين 1: 136.

(3) البيان والتبيين 1: 138 ـ 139.

(4) البيان والتبيين 1: 13 وانظر أيضا 2: 18.

ـ[معاوية]ــــــــ[07 - 10 - 2006, 12:05 ص]ـ

ولو رحنا نستقصي أقوالهم في البلاغة لما رأينا فيها ما يخرج عما ذكرناه من الأقوال السابقة، وخلاصتها أنها في الكلام الذي يصيب معناه وضوح وسلامة، مع خلوّه من التكلُّف والفضول، ومراعاته لمقتضى الحال، وقد زاد بعضهم على ذلك شروطًا تتصل باللفظ كأن تكون الألفاظ غير متوعّرة وحشية، ولا ساقطة سوقية، وأن يختار اللفظ الكريم للمعنى الشريف.

فالبلاغة إذاً ـ في نظر البلغاء ـ ليست أمرًا مستقلاً عن اللغة، بل هي الأمر الذي يساعد اللغة على أداء وظيفتها التي هي التعبير أو الإبلاغ، وهي شاملة لعنصري اللغة: المعنى واللفظ.

ـ[معاوية]ــــــــ[07 - 10 - 2006, 02:32 م]ـ

ولا شك أن في اشتقاق لفظة " البلاغة من مادة " بلغ " ما يشير إلى الوظيفة الأساسية للبلاغة؛ ذلك أن " بلغ الشيئ "، يعني وصل وانتهى، وبلغ الكلام، إذاً يعني أنه وصل إلى المخاطب وانتهى إليه. والإبلاغ هو الإيصال، وكأن الذي يوصل ما في نفسه من الأفكار إلى المخاطب على أتمّ وجه وأكمل صورة هو البليغ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير