ما الفرق في الاستخدام الدلالي بين إنْ وإذا الشرطيتينِِ
ـ[أحمد الحسن]ــــــــ[02 - 03 - 2007, 01:43 م]ـ
ما الفرق في الاستخدام الدلالي بين إنْ وإذا الشرطيتينِِ؟
يقول كثير من النحاة أنّ ثمة فروقا بين إنْ وإذا الشرطيتين في الاستخدام الدلالي، ومن هؤلاء النحاة الإسفراييني، والسهيلي وغيرهما، فما هي هذه الفروق؟
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[02 - 03 - 2007, 08:54 م]ـ
السلام عليكم ..
إنْ وإذا أداتان من أدوات الشرط .. ويعرّف النحاة (إنْ) الشرطية بقولهم إنّها حرف جازم يجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جواب الشرط وجزاؤه .. وهي في نظرهم أم الباب .. ويقولون عن (إذ) أنّها ظرف زمان لما يُستقبل من الزمان - وأحياناً للماضي بوجود قرينة - يتضمّن معنى الشرط ولا يجزم، خافض لشرطه منصوب بجوابه ..
والشرط في اللغة معناه الجزاء، أي تحقّق شيء بتحقّق شيء آخر .. فإذا قرأنا قوله تعالى: (وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلّكم تُرحمون)، فإنّ هذا يعني أنّ الاستماع يتحقّق بتحقّق القراءة .. فالقراءة هي فعل الشرط والاستماع جوابه وجزاؤه ..
ولم يفرّق الناس في أحاديثهم وكتاباتهم شعراً ونثراً قديماً وحديثاً بين دلالة إنْ وإذا .. فهم يستعملون كلاً منهما، إحداهما مكان الأخرى وفق ما يسبق إلى ألسنتهم، أو تقتضيه أحكام الضرورة الشعرية أو الصنعة الأدبية .. انظر إلى بيت المتنبي التالي، وقد جمع فيه بين الأداتين:
إذا أنتَ أكرمتَ الكريم ملكتَه ... وإنْ أنت أكرمتَ اللئيم تمرّدَا
فهو لم يضع (إذا) في البداية و (إنْ) في الشطر الثاني إلا لضرورة الوزن .. ولو كان الأمر عكس ذلك لانكسر البيت، واختلّ الوزن ..
وليس الأمر كذلك في القرآن الكريم .. لأنّ الله عزّ وجلّ يستخدم كلّ كلمة وكلّ جملة في القرآن في مكانها وفي السياق الذي ترد فيه وفي التركيب المحدّد لها ..
فـ (إنْ) ترد في القرآن الكريم عندما يكون الأمر محتملاً للشكّ، بعيداً عن اليقين .. وترد (إذا) عندما يكون الأمر مؤكّداً لا شكّ في حصوله ..
اقرأ الآيات الكريمة التالية ليبين لك مدى اليقين في استعمال (إذا):
قال تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله)، وقال تعالى: (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفّته رسلنا وهم لا يفرّطون)، وقال تعالى: (واذكر ربّك إذا نسيت)، وقال تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) ..
أما (إنْ) فإنّها لمواضع الشكّ .. تأمّل في قوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، وفي قوله تعالى: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)، وفي قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا) ..
والله أعلم ..
ـ[أبو عمرو]ــــــــ[05 - 03 - 2007, 02:47 م]ـ
أعتقد أن رد الأخ لؤي وافٍ تمامًا.
ـ[أحمد الحسن]ــــــــ[06 - 03 - 2007, 11:13 م]ـ
بوركتما
ـ[يوسف العليوي]ــــــــ[05 - 04 - 2007, 12:23 ص]ـ
أشكر الأخ لؤي على ما ذكره من تفريق حسن، إذ الأصل في استعمال ”إن“ الشرطية أن تدخل على ما يمتنع أو يتوهم وقوعه، بخلاف ”إذا“ فتدخل على المجزوم بوقوعه، أو الراجح، وهو ما ذكره أهل العلم باللغة والبلاغة، وينظر: شرح الرضي على الكافية: 3/ 185، وشروح التلخيص:2/ 39، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم: 1/ 173.
لكن لي تعقب على قول الأخ الفاضل: ((ولم يفرّق الناس في أحاديثهم وكتاباتهم شعراً ونثراً قديماً وحديثاً بين دلالة إنْ وإذا .. فهم يستعملون كلاً منهما، إحداهما مكان الأخرى وفق ما يسبق إلى ألسنتهم، أو تقتضيه أحكام الضرورة الشعرية أو الصنعة الأدبية .. انظر إلى بيت المتنبي التالي، وقد جمع فيه بين الأداتين:
إذا أنتَ أكرمتَ الكريم ملكتَه ... وإنْ أنت أكرمتَ اللئيم تمرّدَا
فهو لم يضع (إذا) في البداية و (إنْ) في الشطر الثاني إلا لضرورة الوزن .. ولو كان الأمر عكس ذلك لانكسر البيت، واختلّ الوزن .. )).
ولي على هذا القول ملحوظتان:
الأولى: التعميم في عدم تفريق الناس بين الأداتين قديمًا وحديثًا، وفي هذا نظر، فهل كان العرب في عصور الاحتجاج لا يفرقون؟! وإذا كانوا كذلك فبأي لغة نزل القرآن الكريم في التفريق؟! وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يفرق مع أن النصوص التي بين أيدينا تشهد بتفريقه بين الأداتين؟!
أرجو أن يكون مقصد الأخ لؤي أن بعض الناس قد لا يفرق خاصة الذين جاؤوا بعد عصر الاحتجاج.
الثانية: ما ذكره عن المتنبي فيه نظر، ولئن جاءت الأداتان متفقتين مع الوزن فإنهما أيضًا متفقتين مع الدلالة، لأن "إذا" جاءت في أمر مجزوم به، وأما "إن" فإنها جاءت في أمر قد يكون، وفيه تعريض إلى أنه ينبغي أن لا يكون، فإن كان هذا التوجيه حسنًا فهو أولى من تخطئة أديب كبير وعالم بلغة العرب، والله أعلم بالصواب.
أرجو من أخي لؤي مراجعة ما قلته، فإذا كان صوابًا فالحمد لله على توفيقه، وإن كان غير ذلك فإني أسأل الله لي ولأخي لؤي وللجميع التوفيق والسداد في شأننا كله.
¥