تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[البلاغة واختلاف التفسير]

ـ[الجوهري]ــــــــ[01 - 02 - 2007, 02:36 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله.

كيف نوفق بين ما اختلف في تفسيره في القرآن الكريم، وبين كونه بليغًا (إذ أن البلاغة متعلقة بإيصال المعنى)؟

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[02 - 02 - 2007, 12:12 ص]ـ

الأخ الفاضل الجوهري ..

هذا العنوان يستحقّ أنْ يكون موضوعاً لرسالة دكتوراة، ولن نوفّيه حقّه ببعض الكلمات .. ولكنّي سأضرب المثل الآتي لعلّ الله ييسّر في تقريب المراد إلى الأذهان: فإنّ مثل علماء القرآن والتفسير كمثل قوم دخلوا جنّة عظيمة، فجعل قوم يتناولون من ثمارها، وجعل قوم يلاحظون حسن رياحينها وأزهارها، واشتغل آخرون بما فيها من الحور العين، واستراح قوم إلى فيئها ومناظرها ومحاسنها .. فلمّا خرجوا إلى الناس، جعل كلّ واحد منهم يتحدّث بما رأى وعاين واستمتع، فظنّ الناس أنّهم مختلفون، وما هم بمختلفين ..

وهذا الذي اختُلف فيه قد يكون حقّاً كلّه، بالنسبة إلى سامع فسامع .. فإنّ القرآن الكريم نزل لأهل جميع الأعصار، ولجميع طبقات البشر .. ولذلك تجد أنّ لكلّ فرد فيه حصّة ونصيباً من الفهم .. والحال أنّ فهم نوع من البشر يختلف درجة درجة، وذوقه يتفاوت جهة جهة، واستحسانه يتفرّق وجهاً وجهاً .. وإذن فيجوز أنْ تكون وجوه الاختلاف بتمامها مُرادة، بشرط ألا تردّها علوم العربية، وبشرط أنْ تستحسنها علوم البلاغة، وبشرط ألا تتعارض مع مقاصد الشريعة .. وهذا بلا ريب وجه من أوجه إعجاز القرآن العظيم .. فالبحر زخّار يتّسع لكلّ مستمرّ، والله عزّ وجلّ يقول: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، والرسول صلى الله عليه وسلم يصف كتاب الله العزيز بأنّه "لا تنقضي عجائبه" ..

والله أعلم ..

ـ[الجوهري]ــــــــ[02 - 02 - 2007, 08:43 م]ـ

السلام عليكم، وشكرًا للأخ لؤي على رده الطيب.

وأود أن أعقب على كلامه بمثال حي حتى يبسط السؤال أكثر ..

لو نظرنا إلى ما قيل في تفسير المرسلات عرفًا، لوجدنا فيه اختلافًا بينًا، ففُسرت بالرياح، وفسرت بالملائكة، وفسرت بالكواكب، وفسرها البعض بالصحابة، وهي في جميعها لا تخرج عن مقاصد الشرعية وعلوم اللغة، لكن ما الذي قصده الله حقًا بالمرسلات؟ لن يكون هناك جواب قطعي، وهذا وجه الإشكال في توفيقه مع روح البلاغة من حيث كونها إيصال المعنى على أتم وجه.

فلو تفضل أخي الطيبي وتناول هذه الجزئية أكثر، وجزاه الله خيرًا.

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[04 - 02 - 2007, 07:21 ص]ـ

أخي الجوهري ..

إنّ من المعاني ما يدلّ عليها النصّ القرآني دلالة مباشرة منصوصاً عليها في اللفظ، ومنها معانٍ تُستفاد لزوماً ويقتضيها النصّ اقتضاءً، دون أنْ يكون فيه ألفاظٌ خاصّةٌ تدلّ عليها .. وكثيراً ما يطوي البلغاء في كلامهم معاني يريدون الإعلام بها، دون أنْ يكون في النصّ ألفاظٌ صريحةٌ تدلّ عليها دلالة واضحة ..

وهذا مبحث من مباحث علم المعاني يسّميه البلغاء (إيجاز الحذف) .. فكما أنّ القرآن يُطلق في كثير للتشميل والتقسيم، ويُرسل النّظم في كثير لتكثير الوجوه وتضمين الاحتمالات المستحسنة .. فإنّه يحذف أيضاً كثيراً للتعميم والتوزيع .. وكلّ ذلك ليفيض على كلّ ذهن بمقدار ذوقه ..

وكلمة (المرسلات) التي استشهدتَ بها، هي وصف لموصوف محذوف قام مقامه .. فالله تعالى حذف من الآية الموصوف، لأنّه سبحانه أراد انْ يُطلق المعنى، ويجعله يحتوي كلّ المعاني المحتملة .. وأمثلة هذا الحذف كثيرة في القرآن الكريم .. وعلى دارس أيّ نصّ بلاغي أن يُعمل ذكاءه ويُمعن النّظر في استنباط المضامين الفكرية التي تُستفاد من مثل هذا الحذف ..

ولا يخفى عليك - أخي الكريم - أنّ هذا الأمر لا يدركه إلا أهل التدبّر العميق، والنّظر الدّقيق .. فمع أنّ القَدْرَ الذي يفهمه المتدبّر "السطحي" للقرآن كافٍ لهدايته، إلا أنّه لا يصل إلى ما يحتوي من معانٍ عميقة، ودلالات دقيقة، لأنّ رؤيتها تحتاج إلى مقدار من الفهم واسع، وتأمّل طويل .. وهذا هو التدبّر الاستنباطي الذي خصّ الله تعالى به بعض المتدبّرين من أهل العلم، والتفكير العميق، والتأمّل الدقيق، كما قال تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا * وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 82 - 83] ..

ولذلك تجد أنّ رؤية النصّ القرآني من متدبّر إلى متدبّر آخر أكثر منه بصيرة، وإدراكاً للجزئيات، وإدراكاً لظلال النصّ، وإدراكاً لِما بين كلماته وسطوره، وإدراكاً لمقتضياته ولوازمه، وروابطه الفكرية ذات السلاسل المتعدّدة، تختلف اختلافاً عظيماً، ينتج عنه اختلاف كبير في مقدار الإدراك للدِّلالات، ومقدار الفهم للمعاني .. وهذا ما سنأتي إلى بيانه لاحقاً إن شاء الله تعالى ..

فللحديث بقية ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير