[وصف الجمع بالمفرد]
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[03 - 03 - 2007, 11:14 م]ـ
من الجائز نحوياً وصف الجمع بالمفرد في بعض الكلمات، مثل: الرفيق والصديق والخليط .. التي يستوي فيها المفرد والجمع، بيد أنّ هذا الأسلوب يأتي أحياناً لغرض بلاغي لا يتأتّى حصوله بغيره ..
يقول السهيلي: "وقول عروة بن مسعود لقريش: (قد عرفتم أنّكم والد)، أي كل واحد منكم كالوالد، وقيل معناه: أنتم حيّ قد ولدني، لأنّه كان لسبيعة بنت عبد شمس، وقد يجوز أنْ يقال في الجماعة: هم لي صديق وعدو، وفي التنزيل: (وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69]، فيفرد لأنّه صفة لفريق وحزب، ويقبح أنْ تقول: قومك ضاحكٌ أو باكٍ، وإنّما يحسن هذا إذا وصفت بصديق ورفيق وعدو، لأنّها صفة تصلح للفريق والحزب، لأنّ العداوة والصداقة صفتان متضادّتان .. فإذا كان على أحدهما الفريق الواحد، كان الآخر على ضدّها، وكانت قلوب أحد الفريقين في تلك الصفة على قلب رجل واحد في عرف العادة، فحسن الإفراد .. وليس يلزم مثل هذا في القيام والقعود ونحوه، حتى يُقال: هم قاعد أو قائم، كما يقال: هم صديق، لما قدمناه من الاتفاق والاختلاف" ..
ويستطرد السهيلي إلى ذكر بعض الآيات القرآنية التي جاء فيها وصف الجمع بالمفرد في موضع، واستعمال صيغة الجمع في موضع آخر، مبيّنا السرّ في هذا الأسلوب، فيقول: "وأمّا قوله تعالى: (يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [غافر: 67] بلفظ الإفراد، وقال في موضع آخر: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ) [النور:59] فالأحسن في حكم البلاغة أنْ يعبّر عن الأطفال الرُضَّع بالطفل في الواحد والجميع، لأنّهم مع حدثان الولادة كالجنس الذي يقع على القليل والكثير بلفظ واحد" ..
"ألا ترى أنّ بدء الخلق من طين، ثمّ منيّ، والمنيّ جنس لا يتميّز بعضه من بعض، فلذلك لا يُجمع، وكذلك الطين، ثمّ يكون الخلق علقاً، وهو الدم، فيكون ذلك جنساً، ثمّ يخرجهم الله طفلاً، أي جنساً تالياً للعلق، والمنيّ لا يكاد يتميّز بعضهم من بعض إلا عند آبائهم، فإذا كبروا وخالطوا الناس، وعرف الناس صورهم وبعضهم من بعض، فصاروا كالرجال والفتيان قيل فيهم حينئذ: أطفال، كما يُقال: رجال وفتيان، ولا يعترض على هذا الأصل بالأجنّة، أنّهم مغيّبون في البطون، فلم يكونوا كالجنس الظاهر للعيون، كالماء والطين والعلق، وإنّما جمع جنين على أجنّة، وحسن ذلك فيه، لأنّه تبع للبطن الذي هو فيه" ..
ولا ينسى السهيلي في تحليله للآيات القرآنية بأنْ يستشهد بكلام العرب الأقحاح، الذين هم معدن البلاغة، وموئل الفصاحة، لكي يؤكّد صحّة ما ذهب إليه من تحليل لوصف الجمع بالمفرد في إحدى الآيات القرآنية، وعزوف البلاغة القرآنية عن ذلك في موضع آخر ..
يقول: "ويقوى هذا الغرض الذي صمدنا إليه في الطفل قول رجل من بني مجاعة لعمر بن عبد العزيز، وقد سأله: هل بقي من كهول بني مجاعة أحد؟ قال: نعم، وشكيرٌ كثير .. فانظر كيف قال: الكهول وجمع، وقال في الصغار: شكير، كما تقول: حشيش، ونبات، فتفرّد لأنّه جنس واحد .. والطفل في معنى الشكير ما داموا رُضّعاً، حتى يتميّزوا بالأسماء والصور عند الناس" ..
فهذا حكم البلاغة، ومساق الفصاحة ..
والله أعلم
ـ[الجوهري]ــــــــ[04 - 03 - 2007, 01:46 م]ـ
شكرًا للأخ الطيبي على هذا الموضوع الهام،
إن ظاهرة التحويل اللغوية ظاهرة هامة لا يعرفها الكثير من الناس رغم استعمالهم لها بين الحين والآخر، وقد استعملها القرآن الكريم في أكثر من شكل، ولا يخفى على أحدنا أهمية معرفة هذه الظاهرة من أجل فهمنا لها ولدلالاتها وأبعادها، خصوصًا أن الجهل بها يؤدي إلى سوء فهم للسان القرآن الكريم بل وحتى وضع الشبهات البلهاء ضد القرآن.
تفضل الأخ الطيبي وذكر مظهرًا من مظاهر التحويل، وهو استخدام المفرد للدلالة على الجمع، وهذا كثير في كلامنا فنحن نقول: الرجل أقوى من المرأة، ونريد بها الجنس، ونقول: هلك عبد الدينار، ونقصد بها الدنانير.
كما أنه يجوز استخدام المفرد بدلاً من الجمع إذا كان مصدرًا، كأن تقول: هو كثير الذنب، وتقصد بها الذنوب.
وقد قال الشاعر:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا
فإن زمانكم زمن خميص
أي في بعض بطونكم
ومن الأمثلة القرآنية:
(إنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، إذ أراد بالإنسان الناس.
وقوله: (مستكبرين به سامرًا تهجرون)، معناه سمارًا،
وقوله: (والملائكة بعد ذلك ظهير)، يعني ظهراء،
وقوله: (ثم يخرجكم طفلاً)، أي أطفالاً،
وقوله: (إن المتقين في جنات ونهر)، معناه أنهار،
وقوله: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) أي الأدبار،
وقوله: (فاعترفوا بذنبهم) أراد ذنوبهم،
وقوله: (وأشهدوا ذوي عدل منكم)، أي عدالة، فالمصدر يصلح للمفرد والجمع.
[ line]
وقد يُستخدم الجمع في موضع المثنى، ومنها قوله تعالى:
• (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) المائدة 41.
• (إن تتوبا إلى الله فقد صفت قلوبكما) التحريم 4.
ومظاهر التحويل كثيرة وشيقة، ولا يعرف الشخص أهميتها إلا بعد دراستها.
¥