[من لطائف الحذف والذكر في القرآن الكريم]
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[01 - 02 - 2007, 12:26 م]ـ
قال تعالى: (وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة: 94]، وقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة: 105] ..
فزاد في الآية الثانية قوله: (والمؤمنون) بخلاف الآية الأولى .. وذلك أنّ الآية الأولى في المنافقين، وهم الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان، ولا يعلم المؤمنون بهم إلا مَن أطلعه الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، فلم يقل: (والمؤمنون) لأنّ المؤمنين لا يرون أعمالهم بخلاف الآية الثانية، فإنّها في طاعات المؤمنين، وهي ظاهرة للجميع ففرق بين الجماعتين ..
قال تعالى في الطائفة الأولى: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة: 94] ..
وقال سبحانه في الطائفة الثانية: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة: 103 - 105] ..
جاء في البرهان للكرماني في هاتين الآيتين أنّ الآية الأولى في المنافقين ولا يطّلع على ما في ضمائرهم إلا الله تعالى، ثمّ رسوله بإطلاع الله إياه عليهما لقوله: (قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ) .. والثانية في المؤمنين، وطاعات المؤمنين وعاداتهم ظاهرة لله ولرسوله وللمؤمنين .. وختم آية المنافقين بقوله: (ثُمَّ تُرَدُّونَ)، فقطعه عن الأول لأنّه وعيد .. وختم آية المؤمنين بقوله: (وَسَتُرَدُّونَ) لأنّه وعد فبناه على قوله: (فَسَيَرَى اللّهُ) ..
وجاء في درّة التنزيل أنّ الآية الثانية فيمن أمر الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم وهو الذي أوجب عليهم الصدقات بأن يقول لهم: اعملوا ما أمركم الله به من الطاعات كالصلوات والصدقات، فإنّ الله ورسوله والمؤمنون يرون ذلك، وهذه الأعمال ممّا تُرى بالعين خلاف أعمال المنافقين التي تقتضي لهم النفاق لإضمارهم خلاف إظهارهم وهو ممّا لا يُرى بالعين وإنّما يعلمه عالم الغيب، فلذلك لم يذكر المؤمنين في الأولى وذُكروا في الثانية ..
من التعبير القرآني للدكتور السامرائي ..
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[06 - 02 - 2007, 05:25 ص]ـ
قال تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 44] ..
فقال في أصحاب الجنّة: (ما وعدنا ربّنا حقّاً)، وقال في الكافرين: (ما وعد ربّكم حقّاً)، ولم يقل: ما وعدكم .. وذلك أنّ الكافرين كانوا منكرين لأصل الوعد والوعيد، وليسوا منكرين لما وعدهم به فقط .. فكأنّه قال: هل وجدتم وعد ربّكم حقّاً؟ بخلاف المؤمنين، فإنّهم كانوا ينتظرون ما وعدهم ربّهم من الخير والكرامة، فقال: (وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً) ..
جاء في الكشاف: فإن قلت: هلا قيل: ما وعدكم ربّكم كما قيل: ما وعدنا ربّنا؟ قلت: حذف ذلك تخفيفاً لدلالة (وعدنا) عليه .. ولقائل أن يقول: أطلق ليتناول كلّ ما وعد الله من البعث والحساب والثواب والعقاب وسائر أحوال القيامة، لأنّهم كانوا مكذّبين بذلك أجمع، ولأنّ الموعود كلّه ممّا ساءهم، وما نعيم أهل الجنّة إلا عذاب لهم، فأطلق لذلك ..
والله أعلم ..